تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن الحكم بخلافه، إنما هو في خطابات، فأما في معاملات الناس وعرفهم فإنَّه يدل، ويؤيده ما سبق عن حكاية الهروي، فإنَّ أبا حنيفة جعله مقرًا معَ أنه لا يقول بالمفهوم، على أنه قد يقال: لا معنى لنقل المصنف ذلك عن والده، بل الخلاف فيه قديم من غير خصوصية بالمفهوم، فقد حكى إلكيا الطبري، خلافًا في أن قواعد أصول الفقه المتعلقة بالألفاظ كالعموم والخصوص وغير ذلك، هل يختص بكلام الشارع أو تجري في كلام الآدمي، وسيأتي في باب العموم حكايته عن القاضي الحسين أيضًا، والراجح الاختصاص، ويشهد له مناط قولهم: إن مفهوم الصفة إنما كانَ حجة لما فيه من معنى العلة، والعلل لا نظر إليها في كلام الآدمي، إذ لا قياس فيها قطعًا وقولهم لا يمكن أن يكون المخصص المذكور بالذكر خطوره بالبال دون صيغة؛ لأنَّ ذلك لا يتأتى إلا في كلام الله تعالى، ويعلم من هذا أن تخريج المتأخرين مسائل الفروع على القواعد الأصولية لا يخلو من نزاع، وأنكر أمام الحرمين
المفهوم في الصفة، إذ لم تشتمل على معنى يناسب للحكم، كقولهم: الإنسان الأبيض ذو إرادة، بخلاف المشتملة على المناسب كالسائمة، فإنَّ خفة المؤنة ظاهرة في الإيجاب، وعدمها في عدمه، قالَ ابن السمعاني: وهو خلاف مذهب الشافعي، فإنَّ العلة ليس من شرطها الانعكاس، وهذا أورده الإمام على نفسه، وأجاب بأن قضية اللسان هي الدلالة عندَ إحالة الوصف على ما عداه بخلافه، وزعم أن هذا وضع اللسان ومقتضاه بخلاف العلل المستنبطة، واستفيد مما نقله المصنف عن إمام الحرمين صواب النقل عنه، فإنَّ صاحب المحصول والمنهاج نقلا عنه اختيار المنع كأبي حنيفة ونقل ابن الحاجب عنه القول بغير ذلك، والموجود في البرهان ما حكاه