على التحقيق هو نوع من التعجيز، لهذا لا أستكثر أن يكون السيد حسنين قد صرف فيها قبل سنوات طوالا وهو يحاول أن يفك معمياتها، وليس السيد حسنين بملوم حين قبل هذا التكليف، فلعله كان يشعر أنه أقدر على التحقيق منه على البحث والكتابة بلغة ألمانية؟ وهو لا يتقنها؟ ولكن ما بال أستاذ مرموق مثل هوينرباخ يرضى أن يكلف تلميذا مبتدئا في التحقيق العمل على نسخة وحيدة؟ بل كيف يرضى أن يكون تحقيق مخطوطة محكا لتدريب طالب على البحث العملي؟ أكبر الظن أنه رضي بكل ذلك ليقطف ثمرة ذلك الجهد من بعد فيترجم الكتاب إلى الألمانية.
ولكن أي جهد؟ تشاء الأقدار أن تقع المخطوطة في يدي، وأنا؟ علم الله؟ لا أعرف أنها موضع تحقيق من شخص آخر، وأن أنشرها، وأن يصل الكتاب المنشور إلى الأستاذ حسنين، وهو يعد رسالته، فيمضي في إعدادها مستفيدا من القراءات والتوجيهات التي قمت بها، ولقد سيطر عليه التحقيق الذي قمت به حتى لقد تابعني في بعض أخطائي (١)، ولكنه؟ وهو إنسان مخلص؟ أحس بالحرج الشديد إزاء الطبعة التي أصدرتها، فأخذ يحاول جاهدا أن يتفرد بالقراءة، ليحقق لنفسه شيئا من التميز، وأن يسهب في بعض تعليقاته ليرد ردا مواربا على بعض ما يعده خطأ من قراءتي، وبالجملة يمكن أن يقال إن الطبعة المذكورة قد أوجدت نوعا من " العقدة " في نفسه؛ إلا أنه بين الشعور بالضرورة والحرج مضى في عمله حتى استغلظت الرسالة واستوت على سوقها بعد أن أعياه أمرها زمنا طويلا. وأبادر فأقول: إنني أسامح الأستاذ حسنين حين ضم جهودي إلى جهوده، وأعد ذلك " صدقة " علمية، لا بد من أن يؤديها المرء منا بين الحين والحين، ولكني أعجب؟ مرة أخرى؟ لأستاذه كيف رضي له بذلك.
والله يعلم أني أسفت كل الأسف حين وجدت السيد المذكور مضطرا إلى إيراد تلك المقدمة الاعتذارية (٢)، محاولا أن يسوغ بها؟ لنفسه ولأستاذه؟ إصراره
_________
(١) مثال ذلك (ص: ٢٧٧ من طبعة بيوت) قد كان يخشى مسها فيما مضى، وفي أصل النسخة " يخشن " والأصل هو الصواب، وقد غيره أيضا الأستاذ حسنين، متابعة لطبعة بيروت، وهناك أمثلة أخرى لا مجال لتعدادها.
(٢) صدرت نشرة الأستاذ حسنين سنة ١٩٦٩، وفيها المقدمة التي أشير إليها في ثماني صفحات.
1 / 2