1
غير أن هذا لم يمنع الأشعرية من أن يجلوه ويعدوه القبس الأول لمذهبهم الذي لم يجمد كما الذين لم يفرضوا للعقل وجودا، ولم يسرف كما أسرف الذين نبذوا كل ما عدا العقل. (3) القشيري
ومن أشهر المتصوفة عبد الكريم أبو القاسم القشيري المولود في سنة 376ه في خراسان من أسرة يرجع تاريخ استقرارها في تلك البلاد إلى عهد الفتح الإسلامي، ولما شب ذهب إلى نيسابور ليتلقى فيها العلم، فالتقى هناك بأبي علي الدقاق كبير أستاذة المتنسكين في تلك المدينة في ذلك العصر وأخذ يختلف إلى دروسه، فدفعه هذا الأستاذ في طريق الصوفية ثم زوجه ابنته، وفي سنة 437ه ألف رسالته القشيرية الشهيرة، وفي سنة 448ه ارتحل إلى بغداد، وهناك جعل يلقي دروسا في السنة والفقه على مذهب الإمام الشافعي، ثم عاد إلى نيسابور، وتوفي فيها في سنة 465ه.
أما أهم مؤلفات القشيري في التصوف فهما كتابان، وهما : الرسالة القشيرية، والترتيب في طريق الله؛ لأن الأولى سجلت عن الصوفية الذين سبقوا مؤلفها أوثق المعارف، وهي بهذا تعد في مقدمة المصادر المعتمدة عن التصوف والمتصوفين، وعنده أن الغزالي مدين لهذه الرسالة بالشيء الكثير، كتب القشيري هذه الرسالة إلى طوائف الصوفية في جميع بلاد الإسلام، فترجم فيها لاثنين وثمانين شيخا من شيوخهم بعد أن أعلن تشاؤمه بما آل إليه مصير هذه الطائفة في عصره فقال: «اعلموا رحمكم الله أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم، ولم يبق في زماننا هذا من هذه الطائفة إلا أثرهم، كما قيل:
أما الخيام فإنها كخيامهم
وأرى نساء الحي غير نسائها
حصلت الفترة في هذه الطريقة بل اندرست بالحقيقة.»
تنقسم هذه الرسالة إلى قسمين أساسيين؛ فالأول عني بالأحوال التنسكية التي منحها الصوفية من قبله اهتماما عظيما وحددوها تحديدا دقيقا. والقسم الثاني عني بأخلاق المتصوفين.
ومما ذكر في القسم الأول أحوال الاضطراب والانقباض والانبساط، والفراق والاجتماع، والذكر والسكر.
وهذه العبارات في ذاتها - كما يلاحظ الأستاذ كارادي فو - كانت واضحة بسيطة لا تخرج عن شرحها عواطف النفس في حالة قربها من الإله، ولكن المتصوفين قد عقدوها بما وضعوا لها من تعريفات متعملة.
ناپیژندل شوی مخ