تصوف:روحي انقلاب
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
ژانرونه
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ، فمن كان؟ وكيف كان قبل أن يكون؟ وهل أجابت إلا الأرواح الطاهرة العذبة المقدسة بإقامة القدرة النافذة والمشيئة التامة الأركان، إذا كان قبل أن يكون، وهذا غاية توحيد الموحد للواحد. يذهب هو.
33
والذي يعنينا هنا هو هذا النوع الأخير من التوحيد، وهو الذي يصل إليه السالك في نهاية الطريق بعد أن يكون قد قطع جميع مراحله، وهو - كما ترى - توحيد ينبعث من قرار تجربة صوفية خالصة، أو توحيد هو الفناء بعينه، حيث تغيب شخصية الموحد في الوحدة الشاملة التي لا تمييز فيها بين «الأنا» و«الهو».
والجديد في نظرية الجنيد ليس ما يقوله في التوحيد الصوفي بمعنى الفناء في الله، ولا في قوله أنه معنى ينكشف للنفس عن طريق صلتها بالله في تجربة روحية غامرة، وإنما هو في رجوعه بالتوحيد الصوفي إلى جبلة النفس الإنسانية التي يتجلى في صفحتها معنى التوحيد بعد أن تصقلها الرياضات والمجاهدات وتتخلص من شوائب البدن وكدوراته، وفي أنه يستند في ذلك إلى الآية القرآنية المعروفة بآية «الميثاق» التي تشير إلى أن الله تعالى خاطب أرواح بني آدم في الأزل وأشهدهم على أنفسهم بسؤاله إياهم
ألست بربكم ؟ فشهدوا له بالوحدانية بقولهم:
بلى . فعلى هذه الآية بنى الجنيد نظرية جديدة في التوحيد لا أعتقد أن صوفيا آخر سبقه إليها، وهي نظرية فيها عنصر أفلاطوني لا خفاء فيه، كما أن فيها غزارة روحية تشهد بعمق تجربته الصوفية وصفائها.
يرى الجنيد أن النفوس البشرية كان لها وجود سابق على وجودها المتصل بالأبدان، وأنها كانت في هذا الوجود صافية طاهرة مقدسة، على اتصال مباشر بالله، لا يحجبها عنه حجاب، إذ الحجب كلها وليدة الاتصال بالعالم المادي والاشتغال بالأبدان وشهواتها، وقد عبر عن هذه الحجب أو هذه الشهوات بكلمتين هما: «الرغبة والرهبة» المتصلتان بما سوى الله.
في هذا المقام القديم أقرت النفوس الإنسانية بوحدانية الله عندما خاطبها بقوله:
ألست بربكم ؟ فأجابت بلسان حالها بقولها:
بلى . أقرت بالتوحيد الإلهي لأنها لم تر سوى الله تعالى في الوجود فاعلا ولا مريدا ولا قادرا، ففنيت فيه وغابت عن وجودها. لم تكن لها صفات عينية؛ لأن الصفات العينية أمور تظهر في النفوس عند تلبسها بالأجسام، وقد كانت هناك ولا أجسام لها.
ناپیژندل شوی مخ