تصوف:روحي انقلاب
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
ژانرونه
وهو مصدر أغفله كثير من الباحثين ولم يقدروا أثره في تطور العقائد الصوفية مع أن كثيرا من المسائل الصوفية الفلسفية متصل بمسائل علم الكلام، أو هي هي ظاهرة في ثوب صوفي، والناظر في كتب التصوف أمثال «اللمع» للسراج و«التعرف» للكلاباذي و«الرسالة» للقشيري، يجد في أقوال الصوفية مدى استغلالهم لعلم الكلام ومزجهم لنظريات المتكلمين وأساليبهم بنظريات التصوف وأساليبه، وقد تسرب إلى التصوف الفلسفي كثير من نظريات الأشاعرة والكرامية والشيعة والإسماعيلية الباطنية والقرامطة.
ونكتفي بالإشارة هنا إلى فكرة وحدة الوجود التي هي أخص مظهر للتصوف الفلسفي الإسلامي. فإنها - فيما نعتقد - راجعة في أصل نشأتها إلى تفكير كلامي بحت، وليست، كما يقول بعض المستشرقين، وليدة عامل خارجي كالفلسفة الهندية. فقد بدأ المسلمون يبحثون في عقيدة التوحيد، فوقعوا من حيث لا يعلمون في القول بوحدة الوجود؛ بدءوا ببحث معنى الوحدانية، فقالوا بنفي الشريك والضد والند والشبيه والمثيل، وفسروا الله الواحد الواجب الوجود بمعنى أنه ينفرد بالوجود الحقيقي وأن كل ما عداه عدم محض؛ لأن كل ما عداه ممكن الوجود (أي وجوده من غيره لا من ذاته). ثم فسروا «واجب الوجود» بأنه الفاعل الحقيقي والقادر الحقيقي والمريد الحقيقي. سئل الجنيد عن التوحيد فقال: «هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونهم فعل الله عز وجل وحده لا شريك له.» ثم توسعوا في معنى التوحيد فلم يقفوا عند نفي الشريك لله، بل نفوا وجود كل ما سوى الله، وأنكروا الكثرة وعدوها من فعل الخيال والوهم، كما ذهب إليه ابن عربي، وهكذا انتهى بهم الأمر إلى أن يقولوا بدلا من «لا إله إلا الله»: «لا موجود على الحقيقة إلا الله .» أو ما شاكل ذلك من العبارات الصريحة الدلالة على وحدة الوجود، وسموا عقيدة التوحيد الأصلية توحيد العوام، ووحدة الوجود توحيد الخواص، وأوردوا لكل منهما تعريفات. يقول الجنيد في تعريف العوام: «هو إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته.» وفي تعريف الخواص: «إنه الخروج من ضيق الرسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية.» (3) المصدر الثالث: الأفلاطونية الحديثة
من غريب الأقدار أن يكون ذلك المصدر الهام الذي أثر في جميع مناحي الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي مجهول الأصل عند المسلمين مما يدل على أنهم لم يعرفوه في منبعه، وإنما عرفوا ما عرفوا عنه بطريق التلقين الشفوي من جهة، وبواسطة المختصرات التي ألفها بعض السريان المسيحيين من جهة أخرى. فهم لا يعرفون «أفلوطين» المؤسس الحقيقي لمذهب الأفلاطونية الحديثة ولا كتابه «التاسوعات»، وإن كان يشير إليه الشهرستاني إشارة عابرة ويلقبه بالشيخ اليوناني، وهم لا يعرفون عن «فورفوريوس» تلميذ أفلوطين المقرب وناشر كتبه أكثر من أنه صاحب كتاب «المدخل» إلى منطق أرسطو، وهو المدخل المعروف باسم «إيساغوجي»، ولا يعرفون عن «أبروقلس» إلا رأيه في قدم العالم الذي رد عليه من المسيحيين يحيى النحوي ومن المسلمين الغزالي، ولا يعرفون إلا القليل المشوه عن «يمبليخوس» أكبر رجال الفرع الثاني لمدرسة الأفلاطونية الحديثة.
وقد يطول بنا الكلام لو عددنا الأفكار الأفلاطونية الحديثة التي تسربت إلى التصوف الفلسفي الإسلامي وامتزجت بعناصره الأخرى، ويكفي أن نقول على سبيل المثال: إن نظرية المتصوفين في الكشف والشهود أفلاطونية حديثة في صميمها، وكذلك نظرياتهم في المعرفة التي هي ترجمة لكلمة «غنوص» اليونانية، وفي النفس وهبوطها إلى هذا العالم، وفي العقل الأول والنفس الكلية، بل في الفيوضات: كلها مستمدة من مصادر أفلاطونية حديثة مع قليل أو كثير من التحوير.
ويحسن بنا أن نشير إلى ثلاثة من أهم مؤلفات الفلسفة الأفلاطونية الحديثة عرفها المسلمون قبل انتهاء القرن الثالث الهجري، وكانت لا شك معتمدهم في هذا المذهب، وإن لم يعرفوها على أنها من مؤلفات هذا المذهب، ولكل من هذه المصادر الثلاثة تاريخ لا يزال محوطا بالغموض، ولا يزال رهن البحث والتحقيق .
أولها:
كتاب أثولوجيا أرسطاطاليس، أو «قول في الربوبية»، ويشير عنوان الكتاب إلى نسبته إلى أرسطو، وهي نسبة برهن البحث الحديث على خطئها؛ إذ الكتاب ملخص لبعض أبواب كتاب التاسوعات لأفلوطين.
الثاني:
وهو أقل شهرة من الأول وإن لم يكن أقل منه أثرا في الفلسفة والتصوف الإسلاميين، وهو كتاب «الإيضاح في الخير المحض»، وهو منسوب خطأ إلى أرسطو أيضا؛ إذ الكتاب في الحقيقة ملخص مهوش لكتاب «المبادئ الإلهية» «أسطخيوسيس ثيولوغيقي» الذي ألفه أبروقلس أعظم رجال المذهب الأفلاطوني الحديث في مدرسة أثينا.
وإننا لا نعرف حتى الآن إذا كان كتاب الإيضاح من تلخيص بعض المسلمين ممن كان له علم بكتاب أبروقلس، أو أنه ترجمة لأصل يوناني أو سرياني ضاع، ولكننا نعرف أن الكتاب قد ترجم من نسخته العربية إلى اللغة اللاتينية، وعرف في هذه الترجمة باسم «كتاب العلل» الذي وضع عليه القديس توما الأكويني (المتوفى سنة 1274) شرحه المشهور.
ناپیژندل شوی مخ