تصوف اسلامي په ادب او اخلاق کې
التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق
ژانرونه
الإهداء
الجزء الأول
دعاء
فاتحة الكتاب
أغراض الكتاب
اشتقاق كلمة تصوف
التصوف في الأدب
كلام الشعراء في الزهد
ذخائر منسية من الأدب الصوفي
أخيلة أدبية في وصف الدنيا
ناپیژندل شوی مخ
حكم ابن عطاء الله السكندري1
مكانة ابن عربي في الأدب والتصوف
مصرع الحلاج
صراحة الجيلاني
المنظومات الصوفية
منظومات ابن عربي
منظومات اليافعي
أشعار النابلسي
منظومات حسن رضوان
المدائح النبوية
ناپیژندل شوی مخ
الهيام في حب الله
أشواق ابن الفارض
أخبار الصوفية
نقل الأقاصيص الغرامية إلى الجواء الصوفية
صور المجتمع الإسلامي في كتب الصوفية
حياة اللهجات العربية في مؤلفات الصوفية
أثر التصوف في الفنون
خاتمة الجزء الأول
الجزء الثاني
كيف نشأ التصوف في الأخلاق
ناپیژندل شوی مخ
الأدعية والأوراد
آداب الدعاء
دعاء الاستسقاء
أدعية زين العابدين
أدعية التوحيدي
الاستغاثات والأحزاب
الوصايا والنصائح
وصايا ذي النون المصري
الشجاعة الأدبية
الدنيا في أذهان الصوفية
ناپیژندل شوی مخ
المقامات والأحوال
التجريد والأسباب
آداب الطعام
آداب الصيام
آداب الزواج
أدب الأخوة
الحب الحب الحب!
الموسيقا والغناء
الآداب الصوفية عند الشعراني
المهلكات والمنجيات
ناپیژندل شوی مخ
خاتمة الكتاب
الإهداء
الجزء الأول
دعاء
فاتحة الكتاب
أغراض الكتاب
اشتقاق كلمة تصوف
التصوف في الأدب
كلام الشعراء في الزهد
ذخائر منسية من الأدب الصوفي
ناپیژندل شوی مخ
أخيلة أدبية في وصف الدنيا
حكم ابن عطاء الله السكندري1
مكانة ابن عربي في الأدب والتصوف
مصرع الحلاج
صراحة الجيلاني
المنظومات الصوفية
منظومات ابن عربي
منظومات اليافعي
أشعار النابلسي
منظومات حسن رضوان
ناپیژندل شوی مخ
المدائح النبوية
الهيام في حب الله
أشواق ابن الفارض
أخبار الصوفية
نقل الأقاصيص الغرامية إلى الجواء الصوفية
صور المجتمع الإسلامي في كتب الصوفية
حياة اللهجات العربية في مؤلفات الصوفية
أثر التصوف في الفنون
خاتمة الجزء الأول
الجزء الثاني
ناپیژندل شوی مخ
كيف نشأ التصوف في الأخلاق
الأدعية والأوراد
آداب الدعاء
دعاء الاستسقاء
أدعية زين العابدين
أدعية التوحيدي
الاستغاثات والأحزاب
الوصايا والنصائح
وصايا ذي النون المصري
الشجاعة الأدبية
ناپیژندل شوی مخ
الدنيا في أذهان الصوفية
المقامات والأحوال
التجريد والأسباب
آداب الطعام
آداب الصيام
آداب الزواج
أدب الأخوة
الحب الحب الحب!
الموسيقا والغناء
الآداب الصوفية عند الشعراني
ناپیژندل شوی مخ
المهلكات والمنجيات
خاتمة الكتاب
التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق
التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق
تأليف
الدكتور زكي مبارك
الإهداء
حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول
مولاي
كان من حظي أن أتشرف بإهداء كتاب «الأخلاق عند الغزالي» إلى جلالة الملك فؤاد الأول، وهو الكتاب الذي نلت به إجازة الدكتوراه أول مرة، فليكن من حظي أن أتشرف بإهداء كتاب «التصوف الإسلامي» إلى جلالة الملك فاروق الأول، وهو الكتاب الذي نلت به إجازة الدكتوراه ثالث مرة.
ناپیژندل شوی مخ
وإني لأرجو أن ينال هذا الكتاب من عطف مولاي الملك ما يتوجه بالقبول، والسلام.
المخلص زكي مبارك
مصر الجديدة في 23 شعبان سنة 1357 / 17 أكتوبر سنة 1938
جلالة الملك فاروق الأول الذي ورث أباه العظيم في رعاية الدراسات الجامعية.
مقدمة
بقلم حضرة صاحب العزة الأستاذ الكبير محمد جاد المولى بك المفتش الأول للغة
العربية بوزارة المعارف
القاهرة: 21 شعبان سنة 1357 / 25 أكتوبر سنة 1938 (1)
ما وقع بصري على الأستاذ الدكتور زكي مبارك إلا تذكرت هجومي عليه في سنة 1924 إذ انتدبتني وزارة المعارف عضوا باللجنة التي أدى أمامها امتحان الدكتوراه بالجامعة المصرية أول مرة، كما انتدبت المغفور له الأستاذ أحمد عبده خير الدين وكيل دار العلوم الذي انتاشه منا الموت منذ شهور فمضى مأسوفا عليه من جميع من عرفوا قلبه الطيب وأخلاقه العالية.
كنت في تلك الأيام لا أعرف الدكتور زكي مبارك معرفة شخصية، وإنما كنت أعرفه عن طريق ما يكتب في الصحف والمجلات، فكنت أتصوره شابا بعيد الهمة كلفا بنقد الشعراء والكتاب والمؤلفين محبا للظهور بمظهر السيطرة والاستعلاء.
ناپیژندل شوی مخ
ولما اطلعت على رسالته التي قدمها لامتحان الدكتوراه في تلك الأيام وهي (الأخلاق عند الغزالي) رأيت فيها ما صدق ظني فيه: رأيته يهجم على حجة الإسلام الغزالي ويقسو عليه، فلم أجد بدا من أن أتشدد في حسابه لأعجم عوده وأسبر غوره.
ولكن امتحانات الدكتوراه علنية يحضرها من يشاء، وكان من الحاضرين يومئذ حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد المجيد اللبان وجمهور من أفاضل العلماء بالأزهر الشريف، فلما أخذت في محاسبة الدكتور زكي مبارك على ما صنع في نقد الغزالي تكشفت جوانب أثارت فضيلة العالم الجليل الشيخ اللبان فتدخل وتدخل معه جماعة من جلة العلماء، وكاد الجمهور يموج من الغيظ، ولولا حكمة رئيس اللجنة يومئذ، وهو حضرة صاحب العزة الأستاذ الدكتور منصور فهمي بك، لاضطرب النظام وانفرط عقد الامتحان.
وحين خلت اللجنة للمداولة أسفر نقاشها عن منح زكي مبارك إجازة الدكتوراه بدرجة «جيد جدا» واقترحت أن ينص في محضر الجلسة على أن اللجنة غير مسئولة عما في الرسالة من الشطط والجموح، ولكن الأستاذ الدكتور منصور فهمي بك أقنعنا بأن من المفهوم أن امتحان الدكتوراه هو محاولة عقلية يخطئ الطالب فيها ويصيب، وأن الرسالة لن تخرج إلا ممحصة، وكان ذلك مفهوما عندي وإنما قصدت الاحتياط لنفسي ولزملائي. (2)
وكنت أظن المشكلة انتهت عند هذا الحد، ولكني تبينت مع الأسف أن هجومي على الدكتور زكي مبارك كانت له عواقب، فقد حمل عليه جماعة من العلماء في جريدة المقطم وجريدة الأخبار، يحمل لواءهم حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ يوسف الدجوي أمد الله في حياته النافعة، والأستاذ الشيخ أحمد مكي تغمده الله برحمته.
وعند ذلك عرفت أن الدكتور زكي مبارك قد يقضي حياته في المضاولة والمجادلة لما استقر في النفوس من أنه باحث متعسف مشاغب.
كان ذلك الحادث كافيا لأن يوجه نظري إلى هذه الشخصية الجديدة وإلى تعقب ما تؤدي من النفع أو الضر للدراسات الأدبية والفلسفية، ولكن من الذي يستطيع أن يتعقب الدكتور زكي مبارك؟
وكيف يمكن ذلك وهو لا يسكت أبدا، ولا يترك فرصة لمن يريد أن يحكم له أو عليه؟
تراه حينا يجادل في الدقائق الفقهية كما صنع حين حقق نسب كتاب الأم فتضيفه إلى الفقهاء، وحينا تراه يجادل في المعضلات النحوية فتضيفه إلى النحويين وتنظر إلى كتاب «النثر الفني» أو كتاب «الموازنة بين الشعراء» فتحسبه رجلا لا يحسن غير النقد الأدبي.
وتقرأ رسائله الغرامية ودراساته الطريفة للعشاق من الشعراء فيخيل إليك أنه شاب لا يعرف غير الاصطباح والاغتباق بهوى الغيد الرعابيب.
وتنظر رسالة «اللغة والدين والتقاليد» فتعده من كبار المصلحين وتنظر مقالاته في التربية والتعليم فتراه من أقطاب المربين، وتقرأ هجومه على الكتاب والشعراء والمؤلفين فتخاله من الهدامين وتسمع عن أخباره في الأندية والمجالس وأحاديث رحلاته إلى البلاد الشرقية والغربية وانتقاله من العمامة إلى الطربوش ثم إلى القبعة والسدارة فتعتقد أنه من المولعين بدرس أخلاق الأمم والشعوب.
ناپیژندل شوی مخ
وفي وسط هذا الضجيج قرأت في الصحف أنه سيؤدي امتحان الدكتوراه في جامعة فؤاد الأول فأرجأت ما كان عندي من الأعمال الحافزة وقصدت إليها لأشاهد الدكتوراه الثالثة؛ لأنه كان قد نقل ميدان مشاغباته إلى جامعة باريس وكذلك حضرت مع النظارة لأرى «هذا التلميذ» الذي اشتركت في امتحانه منذ ثلاثة عشر عاما وكونت فيه رأيه قد لا يرضيه لو اطلع عليه فماذا رأيت؟ وماذا لاحظت؟
رأيت طالب الدكتوراه في سنة 1924 غير طالب الدكتوراه في سنة 1937 كان الطالب الأول يجادل لجنة الامتحان بلا تهيب ولا تلطف ولا أقول بلا تأدب أما الطالب الجديد فكان آية من آيات الأدب والذوق، وكان مثالا من أمثلة التواضع والاستحياء: يستمع السؤال بهدوء، ويجيب عليه بذكاء مقرون بالتحفظ والاحتراس، فماذا صنعت الثلاثة عشر عاما بالدكتور زكي مبارك؟
لقد تغير تغيرا تاما وانقطعت الصلة بين حاضره وماضيه أشد انقطاع، وكذلك يصنع العلم بأبنائه الأوفياء فهو يجعلهم متواضعين مهذبين لا يعرفون العنف ولا الغطرسة ولا الكبرياء. (3)
وبالغ الدكتور في الأدب والذوق فعرض علي رسالته الجديدة لأقدم إليه بعض الملاحظات، بوصف أني من المشتغلين بدراسة فلسفة الأخلاق وقد نظرت في الرسالة الجديدة فرأيت الدكتور زكي مبارك لم يتغير ولم يتبدل، فمؤلف كتاب «التصوف الإسلامي» هو عينه مؤلف كتاب «الأخلاق عند الغزالي» بل هو في كتابه الجديد أخطر وأفتك، ولكن ماذا أملك في مقاومته هذه المرة؟
إن جامعة فؤاد الأول منحته درجة الدكتوراه في الفلسفة برتبة الشرف وهي شديدة الضن بالألقاب إلا على المستحقين، ولا سيما أن اللجنة التي أدى امتحانه أمامها قد ضمت نخبة من أكابر العلماء من بينهم معالي الأستاذ مصطفى عبد الرازق بك والدكتور منصور فهمي بك والدكتور عبد الوهاب عزام والأستاذ شفيق غربال .
ومن واجبي أن أحترس في الثناء فأصرح بأني لا أتفق والدكتور زكي مبارك في كل ما عرضه من الآراء في كتاب التصوف الإسلامي، ولا غرو في ذلك فالباحثون قلما اتفقوا على رأي واحد، إن المهم عندي وعند جميع المنصفين أن يكون الباحث حسن النية مستقلا في آرائه الفلسفية، والدكتور مبارك من هذه الناحية متفوق كل التفوق: فهو في كتابه هذا يدرس التصوف دراسة من يفهم أسرار التصوف.
والعقل الفلسفي ظاهر كل الظهور في هذا الكتاب، فالمؤلف أثابه الله يدرس الوجوه المختلفة للرأي الواحد، وقد يصل حاله إلى الغرابة في بعض الأحايين حين يعرض عليك عدة صور لرأي من الآراء ثم تراه متشيعا لكل صورة كأنها رأيه الوحيد وكأنه أشخاص يتحاورون لا شخص واحد.
وذلك هو العقل الفلسفي فيما أعرف، وهو لا يتوفر للباحث إلا حين تنضج مواهبه ويكبر عن التعصب لرأي من الآراء.
لقد ألف المسلمون مئات أو ألوفا من المصنفات في التصوف، وما كنا في حاجة إلى كتاب جديد.
فالمزية الصحيحة للدكتور زكي مبارك هي أنه لم يؤلف كتابه في الدعوة إلى التصوف، أو الهجوم على التصوف، وإنما ألف كتابه في نقد التصوف فبين ما فيه من محاسن وعيوب، وكشف عما فيه من ضعف وقوة، بصراحة فائقة وحماسة رائعة، وأسلوب متين.
ناپیژندل شوی مخ
وأصرح مرة ثانية بأني قد أخالف هذا المؤلف في كثير من الآراء التي عرضها في كتاب التصوف الإسلامي، ولكني أتمنى أن يكون قدوة لسائر المؤلفين، فما ينقصنا اليوم غير الابتكار، وهو أول شرط في جودة التأليف. (4)
وأنا بعد هذا التحفظ أشهد أن هذا الكتاب يفيض بقوة الروح، وأعتقد أنه يغرس الشعور بالتبعة الخلقية ويوجه القارئ إلى فهم أسرار المعاني، وتسجيل هذا الرأي يريحني من الإحساس الذي أرقني منذ سنة 1924 حين حرضت الجمهور علنا على الشك في آراء الدكتور زكي مبارك، الرجل الفاضل المخلص الذي أنفق شبابه في الدراسات الأدبية والفلسفية.
كتب الله له دوام التوفيق، ونفع بمؤلفاته، وأطال في حياته.
كلمة المؤلف
بقلم محمد زكي عبد السلام مبارك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
أما بعد، فهذا كتاب التصوف الإسلامي، وهو كتاب شغلت به نفسي نحو تسع سنين، وأنفقت في تأليفه من الجهد والعافية ما أنفقت، في أعوام عجاف لو ابتلي بمثلها أصبر الصابرين وأشجع الشجعان لألقى السيف وطوى اللواء، فقد كنت في حرب مع الناس ومع الزمان، ويا ويح من ابتلته المقادير بإفك الناس وغدر الزمان.
ولكن الله عز شأنه لم يخلق الشر إلا لحكمة عالية، فقد قويت عزيمتي بفضل ما عانيت في حياتي من ضروب الاضطهاد، واستطعت أن أقيم الدليل على أن الظلم قد يعجز عن تقويض عزائم الرجال.
وهل كان من هواي أن أسرف على نفسي مثل الذي أسرفت فأقضي عشرين سنة في الحياة الجامعية بين القاهرة وباريس كانت كلها نضالا في نضال؟!
ناپیژندل شوی مخ
هل كان من هواي أن تخلو حياتي من الهدوء والطمأنينة فلا أصبح ولا أمسي إلا في عراك وكفاح؟!
هل كان من هواي أن أنتهي إلى ما انتهيت إليه، فلا يكون لي من نعيم الحياة إلا ما أصوره بقلمي من حين إلى حين لأوهم نفسي أني أعايش الأحياء؟!
تباركت يا ربي وتعاليت، فلولا لطفك وتوفيقك لما استطعت بفضل الجد أن ألقى أهل زماني بالاستطالة والكبرياء.
ومن هم أهل زماني؟
هم الكسالى الظرفاء الذين حرمهم الله نعمة البلاء بإقذاء العيون تحت أضواء المصابيح. •••
ينقسم هذا الكتاب إلى قسمين: التصوف في الأدب، والتصوف في الأخلاق.
وقد كان هذا الموضوع فيما يظهر غامضا أشد الغموض، فقد طلب مجلس الأساتذة بكلية الآداب أن نقدم له مذكرة نشرح بها الغرض من هذا الكتاب ليقبل أو يرفض جعله موضوع رسالة لامتحان الدكتوراه، وقد أجبنا يومئذ بأننا نريد أن نبين كيف استطاع التصوف أن يخلق فنا في الأدب ومذهبا في الأخلاق، وهو موضوع يستحق الدرس بلا جدال.
وكان مجلس الأساتذة على حق، فقد كنا في حيرة مظلمة الأرجاء، وكنا لا ندري كيف نتوجه، وكل ما كنا نملك حينذاك هو الاطلاع على العناصر وتصور ما لها من أهمية لو وضعت في نظام واضح مقبول.
ولكن السبيل إلى ذلك كان في غاية من العسر والصعوبة، فقد كنا جمعنا ألوفا من الجذاذات لا ندري كيف نربط بعضها ببعض، وكيف نسوي منها رسالة للدكتوراه في الفلسفة تستوفي الشرائط الجامعية.
وتجسم الخطر حين نظر المؤلف فرآه يخترق المصاعب وحده بلا هاد ولا معين، فقد كان ظفر بإجازة الدكتوراه قبل ذلك مرتين، مرة من الجامعة المصرية ومرة من جامعة باريس، وكان ذلك كافيا لأن ينصرف عنه الأساتذة ويتركوه يكتب ما يشاء كيف شاء.
ناپیژندل شوی مخ
ولكن أولئك الأساتذة الذين اعتمدوا على كفايته العلمية لم يتركوه بلا حساب، فقد تدخلوا في تصميم الرسالة وخربوها بأيديهم مرتين، فخرج منها كتاب نشر منذ سنين هو كتاب «المدائح النبوية في الأدب العربي».
والشر قد يكون بابا من الخير في بعض الأحيان. •••
نوقش هذا الكتاب بجلسة علنية في مساء اليوم الرابع من أبريل سنة 1937، ناقشته لجنة عنيفة قهرت المؤلف على التواضع، وهو خلق لم يعرفه من قبل، واقترحت أن يحذف أشياء وأن يضيف أشياء.
وقد رجع المؤلف إلى الكتاب فنظر فيه من جديد وأضاف إليه طائفة من الفصول في الأدب والأخلاق، وحرر بعض الهوامش التي تحدد ما كان يحتاج إلى تحديد في بعض المواطن، وانتفع بإقامته في العراق فتعقب الصلات بين التصوف والتشيع، وقد أعانه ذلك على إمداد كتابه بحيوية جديدة سيرى القارئ شواهدها وهو ينتقل من بحث إلى بحث. •••
هذا، وقد يجد القارئ ما يثيره في مواضع كثيرة من هذا الكتاب، فإن وجد ما يشوكه ويؤذيه فليرجع إلى ما شاكه وآذاه بالدرس والتأمل مرة أو مرتين أو مرات ليوافق أو يعترض على هدى وبصيرة، وليتذكر أن الدراسات الفلسفية لا تقوى ولا تجود إلا إن سلمت سلامة تامة من الرياء وتخوف العواقب.
والمؤلف يرجو أن يتذكر القارئ أيضا أن الصوفية كانوا من أقطاب الحرية الفكرية، فمحاربة هذه الحرية باسم الغيرة عليهم خطأ لا يقع فيه رجل حصيف.
وفي ختام هذه الكلمة الوجيزة أدعو الله تباركت أسماؤه أن يسبغ على هذا العمل الخالص لوجهه الكريم حلة القبول؛ إنه قريب مجيب.
الجزء الأول
دعاء
«اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولا حقا فيه رضاك ألتمس به أحدا سواك.
ناپیژندل شوی مخ
وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك.
وأعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك.
وأعوذ بك أن يكون أحد من خلقك أسعد بما علمتني مني.»
أحبك يا ربي وأعبدك
ومن أنت يا ربي؟ أجبني فإنني
رأيتك بين الحسن والزهر والماء
فاتحة الكتاب
صفحة من أيام المؤلف في صحبة الصوفية
هذا كتاب في التصوف، والتصوف يوجب نكران الذات، ولكني مضطر إلى الحديث عن نفسي في مطلع هذا الكتاب؛ لأبين كيف أقبلت على هذا الضرب من التأليف.
كنت في حداثتي - كأكثر من ينشأون في الريف - أشهد مجالس الصوفية، وكانت لأبي صلات روحية بأهل الطريق، وكنت أعرف وأنا طفل أني موصول العهد برجل صالح اسمه محمد سعد، وكذلك درجت على احترام أرباب التصوف، وتقديمهم على سائر الناس.
ناپیژندل شوی مخ
وفي سنة 1912 وأنا طالب في الأزهر اشتدت رغبتي في صحبة الصوفية، وألح الشوق، فأخذت أتنقل من ناد إلى ناد حتى تعرفت إلى رجل فاضل من أساتذة الأزهر الشريف كان يومئذ من كبار الصوفية فأخذت عنه العهد، وبدأت أقوم بالأوراد على طريقة الشاذلية، وكان في صوتي من المرونة ما يساعد على إلقاء الأناشيد، فكنت من المقدمين في الإنشاد.
وفي سنة 1915 رآني ذلك الشيخ صالحا للأستاذية في الطريق فأضاف اسمي إلى قائمة الخلفاء، وكان لي في سنتريس وغير سنتريس مريدون وأتباع، وأذكر أني كنت أحسبني يومئذ من الموفقين.
وفي سنة 1918 قام بيني وبين الشيخ الطماوي نزاع، فقد كان يراني قليل الرعاية للتقاليد الصوفية، وتأملت فرأيت السبب تافها كل التفاهة، فقد غاظه أن أتكلم في حضرته وقد - وضعت رجلا على رجل - وهي جلسة تدل فيما يقال على تعاظم وكبرياء، وحاسبت نفسي فرأيت أني لم أفعل ذلك عن عمد، ثم خطر بالبال أن الصوفية إنما يدعون علم القلوب، فلو كان ذلك الرجل من الملهمين لما آخذني على هفوة شكلية لم يكن لي في وقوعها قصد، ولم تسبقها نية سوء.
وانتهى ذلك الحادث بالقطيعة، ومرت أيام عانيت فيها من الضجر والغيظ ما عانيت، وحاولت أن أصلح ما بيني وبين الشيخ، ولكني لم أفلح في جذب نفسي إليه، فقد اقتنعت بأن الصوفية أرباب ظواهر، وإن ادعوا أنهم أرباب قلوب!
وفي ظلال تلك الأزمة ألفت كتاب «الأخلاق عند الغزالي» الذي نلت به إجازة الدكتوراه من الجامعة المصرية في سنة 1924 وهو كتاب تجنيت فيه على التصوف، ورميت أشياعه بالغفلة والجهل، وجعلت سلوكهم سببا في انحطاط الأمم الإسلامية.
وما كاد ينشر هذا الكتاب حتى ضعفت حماستي لما أقمته عليه من أساس العقل؛ لأن الدنيا كانت بدأت تريني أني تحاملت على الغزالي وتعجلت الحكم على آرائه في سياسة النفس؛ فقد كان يدعو إلى النفرة من الناس، وكنت أرى ذلك من الجبن في الحياة الاجتماعية، ثم تكشفت بعض الحقائق فرأيت المروءة تقضي في أحيان كثيرة بالهرب من الناس. ومن ذا الذي سلم أديمه من عدوان الخلق فلم يتمن الاعتصام من شرهم بالعزلة في شواهق الجبال؟!
وكذلك عدت أستروح بذكرى التصوف وأضمر له الشوق والحنين!
وفي سنة 1927 لقيت الأستاذ ماسينيون في باريس، وقرأت معه فقرات من كتاب الزهرة، وعرفت ميله إلى درس العلاقة بين الحب العذري وبين التصوف، فتسرب إلى صدري بصيص من ضوء الفكرة التي يقوم على أساسها هذا الكتاب. وفي خريف سنة 1930 وشتاء سنة 1931 حضرت دروس الأستاذ ماسينيون بالكولليج دي فرانس في العلاقة بين التصوف والحب الرقيق فازدادت الفكرة وضوحا، وصحت عزيمتي على درس أثر التصوف في الأدب والأخلاق.
المراد من التصوف
ولكن هل التصوف الذي أعرفه اليوم هو التصوف الذي عرفته من قبل؟ هيهات!
ناپیژندل شوی مخ
لقد كنت أعرف التصوف موصولا بإشارات ورسوم وتقاليد، فعدت لا أعرفه إلا في القلب والروح، وأمست التقاليد تخيفني وترهبني؛ لأنها علامة زهو واستطالة وكبرياء.
كنت أقول مع الغزالي: «التصوف أمر باطن لا يطلع عليه، ولا يمكن ضبط الحكم بحقيقته، بل بأمور ظاهرة يعول عليها أهل العرف في إطلاق اسم الصوفي، والضابط الكلي أن كل من هو بصفة إذا نزل في خانقاه الصوفية لم يكن نزوله فيها واختلاطه بهم منكرا عندهم فهو داخل في غمارهم، والتفصيل أن يلاحظ فيه خمس صفات: الصلاح، والفقر، وزي الصوفية، وألا يكون مشتغلا بحرفة، وأن يكون مخالطا لهم بطريق المساكنة».
1
ثم تبينت أن هذا التعريف يقفني عند شخصية «الدرويش»، وعقلية الدرويش تستحق الاهتمام، ولكن من الخطأ أن تكون كل شيء في التصوف؛ لأنها شخصية ضعيفة، قليلة الأثر في الأدب والأخلاق.
على أن الغزالي نفسه لم يجعلها محور التصوف، بل نص على أن التصوف أمر باطن لا يطلع عليه، ولا يمكن ضبط الحكم بحقيقته، فهو يتصور أن للتصوف حقيقة غير التي درج عليها أهل العرف والاصطلاح.
والحق أن الغزالي لم يقل كلمته هذه إلا في سياق كان يوجب تضييق الحدود وهو بيان الشخصية التي يصرف إليها المال الذي ينص على أنه موهوب للصوفية، وشخصية الدرويش هي الشخصية الصالحة لأخذ الهبات والصدقات.
وقديما حار الناس في تعريف التصوف، وتشعبوا فيه إلى مئة رأي
2
بل زادت أقوالهم في ماهيته على ألف قول،
3
ناپیژندل شوی مخ