په عربي نړۍ کې ژباړه: حقیقت او ننګونې: د څرګندو دلالتونو سره د شمیرنې په بنسټ
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
ژانرونه
الفجوة بيننا وبين الآخر المتقدم فجوة معرفية، أو معلومات منتجة وموظفة اجتماعيا، بحيث نعيها ونستوعبها ونمارسها ونسهم في إبداعها. التخلف الذي نعانيه قبل أن يكون اقتصاديا هو تخلف ثقافي معرفي؛ لأنه تخلف عن حضارة عالمية تمثل فيها المعرفة العلمية القوة المحركة والدافعة. المعرفة العلمية منهجا للتفكير، ولغة في التعبير، ومبحثا للنشاط الاجتماعي، وإطارا للسلوك والتنظيم، وأصبح اللهاث وراء المعرفة - إبداعا وترجمة - سمة العصر حتى بين أكثر البلدان تقدما. لقد أصبحت الترجمة ممارسة وآلية يومية في الدول المتقدمة لنقل إنجازات الآخرين إلى لغة العلماء والمتخصصين والممارسين من أبنائها. وها هي الولايات المتحدة الأمريكية لا تترجم فقط البحوث والدراسات المنشورة بلغات أخرى فور صدورها، بل تترجم أيضا تلك التي نشرت منذ قرون. وسبق أن طلبت بالفعل من مركز الأهرام للترجمة والنشر ترجمة كتاب عن الطب في مصر الفرعونية، وكتاب آخر عن الطب في الدول الإسلامية. معنى هذا أن الترجمة أداة الأمة على صعيد المنافسة الحضارية لتكون سباقة في العصر، وأيضا مرجعا للثقافة العالمية تنهل منها الأمم الأخرى. وهذا عين ما فعلته أوروبا إبان نهضتها حين ترجمت دراسات العلماء العرب والمسلمين، وحين استعادت ذخائر الإغريق عبر الترجمات العربية لها.
ونحن في بلدان العالم العربي لن نستطيع أن نعيد تأسيس أنفسنا انطلاقا من معطيات ذاتية، واعتمادا على تراث علمي ثقافي موروث مضى زمانه، وبعيدا عن التواصل الحر مع الثقافات العالمية وآلية الإنجاز العلمي الحضاري العصري؛ انفتاح على العالم، وانفتاح عقلاني نقدي على تاريخنا الحضاري، بكل تنوعاته وتناقضاته، منذ فجر الوعي الإنساني. واستيعاب أو تمثل منهج ولغة التفكير العلمي والإنجاز. ومن شروط التفكير العلمي أن نملك غذاء تاريخنا وواقعنا، والواقع الحضاري للآخر، عقلا علميا ناقدا يشكل أساسا لرؤية مستقبلية واستراتيجية تنموية شاملة لجميع أنشطة وعلاقات المجتمع عند مستوى العصر، وهذه الاستراتيجية التنموية هي جهد قائم على الأخذ والعطاء، أو لنقل: جناحاها؛ دراسة إبداعية جذورها نشاط اجتماعي إنتاجي، وترجمة معبرة عن هذا ومتكاملة معه؛ ترجمة تأخذ عن وعي نقدي، وتنتقي وتحفز وتنهض بالمجتمع فكرا ولغة ونشاطا متعدد المناحي، وتسهم في صوغ منظومة معرفية قيمية تقف بالمجتمع ندا وكفئا في ساحة النزال الحضاري، وله استقلاله الحداثي معا.
والهدف أن نبتكر صيغة لنهضتنا تتجلى في علاقاتنا الاجتماعية على نحو جديد، وفي إنجازنا العلمي النظري والتطبيقي على مستوى العصر، وأن يكون منطلقنا وعي علمي بواقعنا وقضاياه والتحديات الماثلة، ووعي علمي بالواقع الإقليمي والعالمي من حولنا، وبكل ما يجري على أرضنا وآفاق المستقبل. ولن يتسنى ابتكار وإنجاز هذه الصيغة إلا بفضل جهد مجتمعي مؤسسي؛ أي قائم على مؤسسات تحظى بحرية الفكر والتعبير، كمناخ عام راسخ حقيقي، وتحظى بحق التواصل العالمي الحر مع المجتمعات الأخرى، التي هي بدورها مجتمعات قائمة على مؤسسات متقدمة. ويترسخ هنا مبدأ حرية انتقال المعلومات، وينهض كل مجتمع من خلال نشاط الترجمة بالحوار؛ أي بالترجمة والتفاعل؛ ولهذا أضحت جهود الترجمة هي جهود مؤسسات ضالعة بدورها المميز في استراتيجية التنمية والمواجهة الشاملة.
إن المجتمع لا يستطيع أن يصوغ مثل هذه الاستراتيجية، ولا أن يصوغ صورة المستقبل، ولا أن يعيد بناء مؤسسته الداخلية لتكون أهلا للمواجهة، إلا إذا جرى تنظيم سياسته العلمية في ضوء الصلات الثقافية الوثيقة بمؤسسات البحث العلمي في البلدان المتقدمة واستيعاب إنجازاتها، شريطة توافر مناخ محلي عام داعم وواع بالعلم قيمة وأداة ومنهجا. ولن يتأتى هذا إلا بفضل سياسات ثقافية واقتصادية وإعلامية وعلمية وتعليمية تحشد الجهود، ويكون الإنسان العام عنصرا إيجابيا حرا ومتحررا من كل أسباب التجهيل والتضليل الإعلامي والأيديولوجي؛ أعني: حين يفكر أبناء المجتمع عبر الحقيقة وتأسيسا على رؤية علمية صحيحة، وصولا إلى هدف قومي يدعم الانتماء، ويشحذ الجهود، وتنتفي معه كل مشاعر الاغتراب، بحيث تكون الأمة فكرا وقيما ووجدانا مؤمنة بالتقدم العلمي، راغبة فيه، حريصة عليه، ومثقفة به، وواعية بكل ما يجري على الساحة العالمية من أمور وثيقة الصلة.
وتمثل الترجمة في إطار هذا التطور مؤشرا على طبيعة واتجاه الحراك الاجتماعي وقوة الدفع، ابتغاء النهوض أو اطراد التقدم، ودالة على الوعي بالذات في إطار المنافسة أو الصراع على الوجود؛ أي: باعتبار الترجمة بعامة والترجمة العلمية خاصة - حسب مقتضيات حضارة العصر - دالة على موقف وهدف اجتماعي واستراتيجي، ودالة على صدق العزم ومصداقية الجهد، قياسا إلى عناصر التحدي. وشهادة التاريخ القديم والحديث والمعاصر أن ازدهار الترجمة واكب - إن لم يسبق - حركات النهوض الاجتماعي، ولازم التقدم المطرد للمجتمعات.
شهادة التاريخ
شهادة التاريخ قديمة قدم المجتمعات في التواصل ونقل الخبرات والمعلومات؛ إذ تشهد الوثائق والتسجيلات والنقوش كيف أن الحضارات القديمة في مصر وبابل والصين ... إلخ، قدمت إنجازات مترجمة إلى اللغات الأخرى ونقلت عنهم. مثال ذلك: مخطوطات نجع حمادي التي تم العثور عليها مصادفة في منطقة نجع حمادي في صعيد مصر عام 1954م، ويرجع تاريخها إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي؛ إذ تحتوي على ترجمات إلى اللغة المصرية القبطية لعديد من الدراسات والنصوص، مثل؛ فصول من جمهورية أفلاطون، ونصوص زرادشتية، بل ونصوص فلسفية يونانية قديمة كانت مفقودة. وهناك شهادة أواخر العصر الأموي في عهد خالد بن يزيد الذي كرس حياته لدراسة علوم الإغريق، وأمر بترجمة مؤلفات الكيمياء والطب، ثم شهادة العصر العباسي، وقد تنوعت مصادر الترجمة من اللغات السريانية واليونانية والفارسية والهندية؛ مما ساعد على النهوض باللغة العربية، وأضحت لغة جميع الشعوب من بغداد إلى قرطبة، بل ولغة العلم شأن اللاتينية بعد ذلك في أوروبا. وهكذا تفاعلت الدولة الإسلامية في عز نهضتها تفاعلا إيجابيا مع الحضارات الأخرى المحيطة بها، وإن كانت حضارات آفلة، ولكنه التفاعل الذي أكسبها منعة وقوة ضمنا لها الحياة زمنا. ثم نشاط الترجمة في الأندلس وعقب سقوطها مباشرة؛ إذ تمت ترجمة علوم العرب إلى اللاتينية لتكون أساسا لنهضة أوروبية. ونجد شهادة صدق أخرى في مصر أيام محمد علي، ودور رائد النهضة الثقافية رفاعة الطهطاوي، ثم في مطلع القرن العشرين مع زخم الدعوة إلى الاستقلال والنهضة؛ إذ ازدهرت الترجمة آنذاك في مصر وفي متصرفية لبنان وبيروت.
وشهادة اليابان حين اكتشفت جفاف ينابيع التقليد وقصور الموروث عن مواجهة الجديد، وعقدت العزم على تجاوز هوة التخلف والانضمام إلى ركب التقدم. هنا أدركت وقررت أن العلم هو أداتها للنهوض، شريطة أن تمتلك ناصيته؛ ومن ثم عنيت بتعليم اللغات الغربية في اقتران بنهضة تعليمية ودستورية شاملة لبرامج التعليم وتنظيم المجتمع وصناعة العقل؛ حيث احتلت العلوم مكانة متميزة وسامية. وجعلت اليابان في عصر «الميجي» - أو النهضة - العلم والتعليم ضمن خطتها التنموية الأشمل، وسيلة لاكتساب المهارات والخبرات، واتساع نطاق الحكمة وإنتاج الموهوبين؛ أي جعلت العلم والتعليم أداة لبناء الإنسان القادر على تغيير المجتمع وبناء اليابان المعاصرة تحت شعار: «أمة غنية وجيش قوي». ونشطت حركة البعثات التعليمية والتكنولوجية، كما نشطت حركة الترجمة، ترجمة العلوم والمعارف العلمية النظرية والتطبيقية. وأصابت اليابان آنذاك - ولا تزال - حمى التهام ثقافة وعلوم وتكنولوجيا الغرب، وبذا تفتحت وازدهرت الذاتية القومية اليابانية في صورة حضارية أصيلة، ونهضت اللغة والفكر. وأقيمت في اليابان مع بداية عصر «الميجي» المؤسسة الهولندية، التي اضطلعت بأعباء إنشاء حركة ترجمة واسعة النطاق، وقرأ اليابانيون إنجازات أعلام الفكر والعلم في أوروبا، وعقدت اليابان اتفاقات مع كبرى دور النشر العالمية لإصدار طبعة باللغة اليابانية من إصدارات هذه الدور حال صدورها بلغتها الأصلية. ويقدر عدد العناوين المترجمة في اليابان آنذاك في أوائل القرن العشرين بحوالي ألف وسبعمائة عنوان سنويا، وهذا جهد مهول لا يدانيه إلا جهد اليابان في محو الأمية تماما خلال بضع سنين، والتوسع في إنشاء المؤسسات التعليمية والجامعات، حتى سبقت في هذا المضمار أكثر البلدان الأوروبية تقدما آنذاك.
وكان هذا هو أيضا حال الاتحاد السوفيتي السابق في مستهل نشأته، حين عقد العزم على النهوض من وهدة التخلف وقبول التحدي؛ فقد أنشأ لينين - ضمن استراتيجية شاملة - جهازا للترجمة ضم أكثر من مائة ألف مترجم لنقل علوم الغرب إلى اللغة الروسية، وكان يشرف بنفسه على هذا الجهاز الذي حقق المعجزة بأن أصبح الاتحاد السوفييتي السابق موطنا للإنجاز العلمي، وتطورت اللغة الروسية لتكون لغة العصر والعلم. وكان الاتحاد السوفيتي قبل انهياره يضم أكثر من مليوني مترجم عن جميع لغات العالم. وما كان لهذا كله أن يتحقق لولا تطوير جذري عصري للتعليم، ولولا اقترانه بنهضة علمية ودعم المؤسسات العلمية، ولولا حشد جهود الترجمة والمترجمين في وضع مؤسسي مخطط ومنهجي؛ ليكون نشاط الترجمة استجابة لحاجة مجتمعية.
وهذا هو حال إسرائيل، التي ظهرت إلى الوجود كمجتمع ودولة، بينما اللغة العبرية شبه ميتة، وإذا بها تصبح لغة علم، وأضحت إسرائيل قوة علمية وتكنولوجية، أو أصبح العلم قوة داعمة وأداة حماية تتحدى به كل من حولها. وعلى الرغم من أن نصف سكانها مهاجرون يجيدون لغاتهم الأصلية، فإننا نجد حركة الترجمة نشطة للغاية. وهذا ما سوف نعرض له من خلال الدراسة والإحصائية المقارنة.
ناپیژندل شوی مخ