په عربي نړۍ کې ژباړه: حقیقت او ننګونې: د څرګندو دلالتونو سره د شمیرنې په بنسټ
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
ژانرونه
وجدير بنا أن أشير هنا إلى أنه مع صدور الطبعة الأولى من كتابي هذا صادف الكتاب ما يشبه الإغفال التام. ولكن بعد حديث الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عن أزمة المعرفة وتدني مستوى العلم والبحث المعرفي في العالم العربي، وهو ما يتجلى في تحصيل المعارف العلمية تأسيسا على ما قدمته من إحصائيات ضمن تقرير التنمية الإنسانية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2003م، وهي الإحصاءات والرؤى ذاتها المثبتة في هذا الكتاب. هنا انبرى كثيرون لنقد الإحصاءات، وحقيقة الأمر أن هول الصدمة كان كاسحا وكأننا أفقنا من غفوة وكشفنا عن عورة أو سوأة مجتمعات اعتادت في كبرياء مزعومة أن تسمي نفسها دائما «أمة اقرأ». هذا بينما واقع الحال يكشف أن لا علاقة لها البتة بتوسيع آفاق قراءة المعارف العلمية العالمية، ناهيك عن توسيع آفاق الإبداع المحلي.
وقنع الناقدون الموسومون بصفة «أعلام الفكر العربي» بتكذيب الإحصاءات. ولم يشأ أحدهم أن يكلف نفسه الالتزام بمنهج عقلاني نقدي أو بالمقارنة التي قدمتها بين دفتي الكتاب؛ إذ كان كل ما يعنيهم، والأمر الأهم في نظرهم مداراة العورة، وليس البحث عن الأسباب والعلاج. وأود أن أذكر هنا أنني مع الإحصاءات التي قدمتها عن أعداد الكتب والترجمات قدمت إحصاءات موازية عن استهلاك ورق الطباعة ومقارنتها أيضا بالمجتمعات الأخرى، وترجح المقارنة صدق النتائج إلى حد يقرب من التأكد. وأذكر علاوة على هذا، ما يدركونه ولكنهم أغفلوه عمدا، أن إحصاءات منظمة اليونسكو التي اعتمدت عليها استقتها المنظمة من البلدان العربية ذاتها ولم تبتدعها أو تصطنعها لخدمة أغراض أيديولوجية تآمرية . ولكننا لأننا مجتمعات تعشق الطرب، ويروقها فقط ما يطربها ويدغدغ وجدانها، وتقبل فقط ما يتطابق مع فكرها هي دون أن تتكلف مشاق البحث عن الحقيقة؛ لهذا ضاقت بالإحصاءات الواردة في الكتاب شأنها دائما حين تضيق بكل ما هو مختلف. ونظرا لأن ثقافتنا ثقافة كلمة لا ثقافة فعل؛ فقد انتهى الأمر بعد تدبيج المقالات المعارضة.
وإذا كنا نؤمن بأن التفكير عبر الحقيقة العلمية هو سبيلنا للنهوض، فإنني أؤكد أيضا أن نهج الالتزام بالحقيقة العلمية هو ديدن المؤمنين بالتغيير؛ تغيير الواقع والفكر معا. وطبيعي أن العمل على التغيير يستلزم مع توفر الإرادة الذاتية الجمعية، معرفة الواقع في ضوء منهج البحث العلمي المعتمد مرحليا. ولكن أسرى الأيديولوجيات يهيمون عادة مع تخييلات مقطوعة الصلة بالواقع، وعندهم الماضي والحاضر والمستقبل. امتداد متجانس على صعيد سواء حيث لا تغيير.
وعلى الرغم من مضي سنوات فإننا لا نلمس جهدا مجتمعيا حقيقيا لتنشيط حركة الترجمة في اتجاهها وسياقها المجتمعي الصحيح. وهكذا جاءت شهادة صدق على لسان التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية عن الحصاد الثقافي العربي لعام 2007م؛ لتؤكد صواب ما سبق أن أوضحته الإحصاءات التي أثبتناها في الطبعة الأولى، ولم يأت العالم العربي بشيء جديد، إن لم نقل: ساء الحال أكثر كما تفيد كل الشواهد. عرض التقرير العربي الأول الوضع، وأكد أن المناخ السياسي المتسم بالاستبداد والقهر وغياب الحريات أدى إلى انتعاش الظلامية والفكر الأصولي السلفي والتطرف. وأشار إلى ما يفيد بأن هذا المناخ هو المسئول عن انصراف الإنسان العربي عن ثقافة تحصيل العلم وعن الاهتمام بالقراءة العلمية وعن البحث، وهو ما يتجلى في ميدان النشر تأليفا وترجمة. ويؤكد التقرير تدني النشر العربي تأليفا وترجمة، وقصوره الشديد، وندرة الكتاب الذي يتناول علوما أساسية، وغلبة الكتب الدينية والأدبية.
وقد يدفع البعض دفاعا عن الوضع المتردي القائم، بأن ثمة جهات عربية خليجية كشفت عن اهتمام طارئ بنشاط الترجمة. وتجسد هذا في صورة مخصصات مالية ضخمة، أو في إقامة مراكز ترجمة في أنحاء مختلفة من العالم العربي. بيد أن هذا كله لا ينفي عشوائية وفردية النشاط، ولا ينفي تعطله من هدف قومي مرسوم وفق استراتيجية تطوير حضاري؛ مما يفرغ الجهد من صفة المنظومية الهادفة، فضلا عن افتقار المجتمعات العربية للمناخ الداعم لحرية التخطيط والاختيار. ولعل الأخطر والأهم أيضا افتقار المجتمعات العربية لمراكز الإبداع العلمي الحر على مستوى حضارة العصر، وهي الشرط البنائي الذي يجعل من الترجمة استجابة مؤسسية هادفة يستوعبها المجتمع لتسري دما في نسيجه الفكري والثقافي، وتدعم حركته الارتقائية إن وجدت.
وتدني الترجمة ليس مجرد ضآلة عدد الإصدارات المترجمة؛ ذلك أن أزمة الترجمة هي في التحليل الأخير لها أزمة قارئ/كتاب/مترجم/مجتمع له تاريخه الثقافي وواقعه الراهن علميا وتعليميا وثقافيا. وغير خاف أن المجتمعات العربية تعاني - كمثال - من تفشي حالة الأمية الأبجدية وإن اختلفت درجاتها مع اختلاف المجتمعات. ولكن الأمية ذات الصلة بالترجمة ليست فقط الأمية الأبجدية، بل هناك أيضا معها الأمية الحاسوبية والأمية الثقافية والأمية العلمية، بما يتسق مع إنسان حضارة العصر. وتؤثر هذه جميعها في طبيعة البنية الذهنية للمرء، ومدى فضوله المعرفي، واتجاه هذا الفضول ومحتواه، هل للتحصيل العلمي؟ أم لتحصيل وتكرار معارف الأقدمين التي لا تقدم جديدا ولا تفيد إلا للدراسات التاريخية؟
الارتقاء بمستوى الترجمة إلى مستوى المنافسة العالمية يستلزم بالضرورة الارتقاء بالمجتمع وبالإنسان معا على مستويات عدة؛ أولا: ارتقاء بالمستوى الثقافي الاجتماعي والعلمي والتاريخي؛ أعني إعادة تنظيم البنية الذهنية للإنسان، بحيث يكون فضوله المعرفي موجها نحو تحصيل معارف لازمة لبناء المجتمع جميعا على مستوى حضارة العصر وفق صورة يصوغها المجتمع بعبقرية وإنجازات أبنائه عن الذات وعن الحاضر والمستقبل. وحري أن يتحدد هذا في ضوء دراسة اجتماعية ميدانية لبيان الموضوعات التي تحظى باهتمام المرء، ونوع القراءات، وكم هذه القراءات ومحتواها وعلاقتها بالحركة المجتمعية المنشودة، وأثرها في حفز المرء لأي نوع من المعارف. ويقترن هذا ببذل الجهد المنظم الهادف لمحو كل من الأمية الأبجدية والثقافية والحاسوبية والعلمية. ويتعين ألا ننسى ونفيد من تجارب ناجحة في كوبا واليابان والصين وغيرهم.
وأذكر هنا - إيجازا - تجربة كوبا؛ لطرافتها ودلالتها، وهي مجتمع فقير محاصر، ولكنها استطاعت محو الأمية الأبجدية في سنتين، وأصدرت منذ ست سنوات قانونا ينظم بناء الإنسان الكوبي تعليميا وعلميا. حدد النظام ما يسمى حاسب أو كومبيوتر ما قبل سن الدراسة؛ إذ يتعين على الطفل قبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية أن يتعامل مع الحاسوب. وتضمن النظام أيضا تدريس علوم البيولوجيا والرياضيات وكذا اللغة الإنجليزية في المدرسة الابتدائية؛ إدراكا من المسئولين والمجتمع أن هذه هي مؤهلات المرء للانتماء إلى حضارة العصر. وليس غريبا أن تضم كوبا الفقيرة عددا من مراكز البحث العلمي العالمية التي يؤمها علماء من الولايات المتحدة على الرغم من الحصار.
وطبيعي أن الارتقاء بالإنسان رهن الارتقاء بالسياق؛ أعني الارتقاء بالمجتمع. نحن لا نزال نعيش تحت عباءة ثقافة مجتمعات الرعي والزراعة، ولا نزال بعيدين عن حضارة عصر الصناعة، ناهيك عن عصر المعلوماتية. وطبيعي أن الارتقاء بالإنسان وبالمجتمع هنا عملية واحدة متكاملة ومطردة التطور. ونعني بذلك أساسا الانتقال إلى حضارة العصر؛ أي تحديث المجتمع؛ ذلك أن عملية التحديث، أو الانتقال إلى حضارة الصناعة والمعلوماتية، عملية شاملة متكاملة، وليست تجزيئية أو انتقائية عمياء، ومن ثم التحديث ثورة تغيير لذهنية الإنسان وللاقتصاد وللسياسة والمؤسسات الاجتماعية ولدور الإنسان العام ... إلى آخر نشاطات المجتمع كمنظومة واحدة متكاملة. وهنا ستكون للقراءة أو لتحصيل المعارف وللمغامرة المعرفية حافزها الباطني ودور اجتماعي، وسيكون لها عائدها على الفرد والمجتمع، وسيكون المجتمع إطارا حافزا لهذه الجهود. وطبيعي أنه في مثل هذا السياق تأتي الترجمة أو الفهم في حرية لتحصيل معارف الغير، استجابة لحاجة مجتمعية، مما يهيئ اندماجها وتجسدها مجتمعيا، وتدخل في نسيج المجتمع قرينة إبداعاته المحلية، وتكون أداة دعم وتمكين وتطوير. وبدون ذلك يظل الحديث عن الترجمة رطانا، وتظل جهود الترجمة على تدنيها ومحدوديتها، بل وعشوائيتها، أشبه بماء مسكوب في صحراء قفر لا تثمر.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترى أنها أضحت في مسيس الحاجة إلى تنشيط الإبداع والبحوث العلمية ضمانا لاطراد الريادة والزعامة، وأنها بحاجة إلى مشاركة على صعيد عالمي في الإنجاز وفي الحوار والتفاعل؛ أقول: إذا كان ذلك كذلك بالنسبة للولايات المتحدة القطب والرائد؛ فإن البلدان العربية بحاجة أشد إلحاحا وضرورة لكي تثري رصيدها المعرفي بالإبداع المحلي والاستيعاب العقلاني النقدي الهادف للأجنبي، وما أكثره وما أشد تباينه وما أكثر مزلقاته!
ناپیژندل شوی مخ