20
عبد الغني الريدي فلاح ماهر، تمازجت هوايته مع حرفته، وهوايته في الحياة أن يكون زرعه أحسن زرع في المنطقة. وقد استطاع بجهده أن يرتفع بملكه من أربعة أفدنة تركها له أبوه الحاج محسن الريدي إلى أحد عشر فدانا. وكان زين الرفاعي يتقاضى منه مائتي جنيه عن كل فدان يشتريه كما كان يتقاضى من البائع مثلها. وقد كانت هذه الإتاوة مقررة لا مجال فيها لمناقشة، ولم يحاول عبد الغني أن يماكس فيها، أو يتمرد عليها.
وفي عامه هذا استطاع عبد الغني الريدي أن يستنبت من ستة الأفدنة التي زرعها قطنا أربعة وخمسين قنطارا، فقد أحسن خدمة الأرض، حتى جعل الأرض والبذرة يخرجان أسرارهما الكامنة، وأنتج الفدان تسعة قناطير.
وحين استدعاه كان يدرك تماما السبب الذي يقف وراء استدعائه، وثارت به نفسه وهو في طريقه إلى دوار العمدة، وجعلته يواجه ابتسامة زين التي استقبله بها مواجهة مقطبة رافضة، تأبى حتى أن تداري ما في نفسه من سخط ورفض. - مرحبا بزين الرجال. - الله يرحب بك يا حضرة العمدة. - أين أنت يا عبد الغني؟ لي زمان لم أرك. - حضرة العمدة أنا لا أظن أنك استدعيتني لشوق ألم بك نحوي. - يا أخي الترحيب بالضيف واجب. - هذا إذا لم يكن الضيف قادما على رغم أنفه. - وهل أرغمك أحد؟ - نعم يا حضرة العمدة. - من ذاك؟ اذكر اسمه لي، وسترى أي عقاب سأنزله به. - إذن، عاقب نفسك يا حضرة العمدة. - أنا؟ - نعم أنت يا حضرة العمدة، وليس غيرك. فأنا لم أحضر لزيارتك مختارا، وإنما استدعيتني أنت وأنا أعلم ماذا يمكن أن يحل بي إذا نكصت عن استدعائك هذا، فأنا في حضوري هذا إليك لست حرا. وقد كنت أستطيع أن أداجيك وأتغنى بالشوق إليك، إلا أنني في الحقيقة لم أعد أطيق يا حضرة العمدة. - وما لك غاضبا كل هذا الغضب؟ - من تلك الحياة المفروضة علينا فرضا بقوة السلاح يا حضرة العمدة. - فماذا يقول غيرك؟ إن الله يعطيك ويرضيك وأرضك تنتج أحسن محصول، وأنت من أغنى أهل البلد. - أعرف أن هذا ما استدعيتني من أجله، إن الله سبحانه جل علاه هو العدل المطلق، وهو لا يعطي للكسول أو الخامل، وأنا يا حضرة العمدة أرضيت ربي في عملي، فأرضاني في محصولي. - أفلا تشكر الله إذن؟ - إنني أشكره وأحمده آناء الليل وأطراف النهار. - أوليس من الشكر أيضا أن تشارك غيرك فيما وهب الله لك؟ - إن الله يا حضرة العمدة غني عن العالمين، وهو سبحانه قد حدد الزكاة، وأنا أرفعها إلى ذاته العلية كما أمر بها أن ترفع لتعين الفقير والمحتاج وابن السبيل، وهو سبحانه حبب إلينا أن نتصدق وأغرانا بأن الحسنة التي يقدمها العبد منا إلى أخيه يضاعفها رب الجميع عشرة أضعاف. وهذا أمر بيني وبين الله وحده، لا يطلع عليه إلا هو. - والذي يحميك من عدوك، ويحمي مالك من السارق؟ - أنا يا حضرة العمدة ليس لي أعداء، وأنا أستطيع والحمد لله أن أحمي مالي من السارق. - أتستطيع؟! - بإذن واحد أحد. - إذن فلا حديث بيننا. - والله المستعان يا حضرة العمدة، إنه هو وحده القاهر فوق عباده. - إذن فلا تبك بعد ذلك يا عبد الغني. - وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت. - لقد فتحت على نفسك نافذة من جهنم. - إنها بفضلك مفتوحة على المنطقة كلها، ولكن النفس في كثير من الأحيان تفضل الموت على الذل يا حضرة العمدة. - وأين كانت هذه الشجاعة من قبل؟ - قد يحتمل الإنسان بعض الحين، وقد يرضى بشيء من التنازل عن حقه، ولكن الطاغية حين يسرف في طغيانه يجعل الحجر يتحرك وتدب فيه الحياة. - إذن سنلتقي يا عبد الغني. - وأنا مستعد للقاء، والله يحق الحق، ويجعل الباطل بأمره زهوقا، سلام عليكم يا حضرة العمدة.
كان هذا الحديث بعد أن جمع عبد الغني قطنه، ووضعه في مخزنه.
وقد رأى العمدة أن ينتظر حتى يحشوه في أكياس البيع ليوقع به ما انتوى أن يصنعه.
ويوم وقعت الواقعة بالعمدة على أيدي سامي وصحبه كان عبد الغني قد أوشك على الانتهاء من تعبئة القطن جميعه، كان زين ينوي أن يرسل رجاله بعد يومين؛ ليستولوا على القطن بأكياسه، ولكنه وقد نزلت به هذا القاصمة رأى رأيا آخر. - خطاب. - أمرك يا حضرة العمدة. - أنبيت ليلتنا ونحن لا ندري من هؤلاء الذين صنعوا بنا هذا الصنيع؟ - أمر سعادتك. - قطن عبد الغني. - نحمله الليلة؟! - الليلة. - أمرك. - ولكن انتظر ... لا بد في هذه المرة أن نغير الطريقة التي كنا نتبعها في السنوات الماضية كلها. - طبعا ... طبعا يا سعادة البك. - إذن فاسمع. - نعم. - ما سنتفق عليه الآن لا يعرفه أحد من الرجال إلا وقت تنفيذ العملية. - طبعا يا حضرة العمدة ... طبعا وهل تشك في هذا؟ •••
قال فواز لسامي: كما توقعت حضرتك يا سامي. - طبعا. - قطن عبد الغني الريدي. - وتوقعت هذا أيضا ... هل أنتم مستعدون؟
وقال شملول: بل انتظروا، لا بد لنا من حديث قبل أن نقوم إلى عملنا.
وقال محمود: قل. - اقعدوا وفكروا معي. •••
ناپیژندل شوی مخ