وهذا معقول؛ لأننا في الحرفة التي نتكسب بها قد نضطر إلى عمل ليس لنا فيه اختيار، ولكننا في الفراغ نختار ونفاضل ونميز بين الأعمال، فأحدنا يقرأ والآخر يلعب، وأحدنا يتكاسل ويتثاءب ويسمر، والآخر ينشط ويتخذ بعض الألعاب الرياضية، بل إن أحدنا قد يهوى عملا فنيا لا يزال يمارسه ويتبرع فيه حتى يجد في أحد الأيام أن هوايته هي كل شيء، وأنها جديرة بأن تكون حرفة يتخذها بدلا من حرفته التي اضطر إليها اضطرارا.
وعندما نبلغ الشيخوخة أو نقاربها، نجد أن حرفتنا التي كنا نعيش بها ونتكسب منها قد نسيناها، بل نحن نسارع إلى نسيانها، ولكن الهواية التي لازمتنا أيام الشباب قد بقيت وقويت، ونحن عندئذ نجد فيها أعظم ما يبعث النشاط والبهجة والسعادة أيام الشيخوخة.
يجب أن يكون لكل شاب هواية كالقراءة أو الكتابة أو الصيد أو تربية الحمام أو النجارة أو غرس الأشجار أو الرسم أو البحث العلمي أو قرض الشعر ... إلخ إلخ.
ذلك لأن هذه الهواية تصده عن «قتل الوقت»، فلا يعود الوقت عدوه بل يستحيل إلى صديق؛ لأنه يجد فيه الفراغ الذي يرقى به وينمو به ذهنه وتنضج به شخصيته، فلا يزال في نمو ونضج ولو بلغ التسعين أو المئة من العمر، ثم مع ذلك يكون سعيدا برقيه ونموه.
ما هي هوايتك أيها الشاب؟ وهل أنت «تقتل» وقتك أم «تستغله»؟
الفصل الرابع والعشرون
الطبيعة تجود بجمالها
من أحسن ما قاله «ريتشارد لوجالين» في دعوة الناس إلى الاستمتاع بالحياة: «ماذا كنا ندفع من أموالنا كي نرى القمر لو لم تكن الطبيعة قد عرضته لنا بالمجان؟.».
والواقع أن الإنسان ليسخو بأكبر مقدار من أمواله كي يرى هذا المنظر الطبيعي الرائع، القمر وهو يدور يتوسط السماء، أو وهو بازغ يتوهج من الشرق ، وكي نعرف القمر على أكمله يجب أن نراه في الريف من الحقول المنبسطة التي يسكب عليها أشعته ويكسوها بمثل السحر، حتى لنكاد نضن بساعة للنوم تحرمنا رؤيته، ونحس أننا نود لو نقضي الليل كله وهو يغمرنا بسحره، ونحن مأخوذون بروعته.
ولكن ليس القمر وحده هو الذي يمثل جمال الطبيعة، فإن الشفق الذي ينبسط على الآفاق وقت الغروب لا يقل جمالا عن القمر، والحقول التي تزد هي بخضرة النبات وألوان الزهر، بل حتى الصحراء القاحلة، تبعث في نفوسنا من الإحساسات الفنية ما يجب على كل إنسان أن يستمتع به، وأن يسخو بالوقت والمال كي يحسه ويقتنيه اقتناء نفسيا يجعله ثريا بالحياة.
ناپیژندل شوی مخ