د اخوان صفا لار
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
ژانرونه
27 (جا: 66). وهذه النفوس المفارقة الشريرة تكون مشغولة بتأييد النفوس الشريرة المتجسدة، مثلما تكون النفوس الكاملة المفارقة مشغولة بتأييد النفوس الصالحة المتجسدة لكيما تتم هذه وتكمل تلك، وتتخلص هذه من حال النقص وتبلغ تلك إلى حال الكمال، وترتقي هذه المؤيدة أيضا إلى حالة هي أكمل وأشرف وأعلى» (40: 3، 371).
ويرى إخوان الصفاء، في النهاية، أن الاعتقاد بوجود إبليس باعتباره شخصية موضوعية مجسدة للشر، هو من الآراء الفاسدة التي لا بد للمؤمن الحق من التخلي عنها: «ومن الآراء الفاسدة من يعتقد أن الله خلق خلقا ورباه وأنماه وأنشأه، وسلطه وقواه على عباده متمكنا في بلاده، ثم ناصبه بالعداوة والبغضاء، وهو إبليس وجنوده من الشياطين، وهم يفعلون ما يريدون على رغم منه، وهو الجاعل لهم المشيئة والإرادة والعداوة والاستطاعة وطول العمر والمهلة وسعة الرزق والنعمة. فإن صاحب هذا الرأي إذا فكر في أمر إبليس وجنوده، وما نسب إليه من الشرور، وما يعتقده من مخالفتهم لله وعداوتهم، فإنه امتلأ منهم غيظا وحقدا عليهم وناصبهم العداوة والبغضاء، حتى إنه لو أنه أمكنه قتلهم كلهم ... وإذا لم يقدر على ذلك بقي طول عمره مغتاظا مغتما متألما نفسه معذبا قلبه؛ حتى إنه ربما فكر في خلق الله لهم وتربيته إياهم وسعة رزقه عليهم وتمكينه لهم فيما يفعلون وإمهاله لهم، فعاتب ربه في الضمير وخاصمه في السر، ويقول: لم خلقهم، ولم رباهم ورزقهم، ولم مكنهم وسلطهم ... وما شاكل هذه الوساوس والظنون الموبقة المؤلمة لنفوس المعترضين على الله في تدبير خلقه» (42: 3، 528-529).
الفصل الخامس
الآخرة والنشأة الثانية
في الدنيا والآخرة وحكمة الموت
إن الغاية التي تسعى إليها الحياة هي الموت، والدنيا ليست إلا عارضا مؤقتا في الطريق إلى الآخرة، وليس الكدح العرفاني للإنسان إلا تهيئة للموت الذي هو ولادة ثانية. فإذا كانت الولادة الأولى من الرحم ولادة للجسد الفاني، فإن الولادة الثانية بالموت هي ولادة للروح: «واعلم يا أخي ... أن الدنيا والآخرة هما داران متقابلتان، واسماهما مضادان، ومعناهما وحقيقتهما وصفتهما مختلفات متضادات؛ إحداهما كالقشرة وهي الدنيا، والأخرى كاللب وهي الآخرة ... أما الدنيا فاسمها مشتق من الدنو والقرب، والآخرة من التأخر؛ وأما حقيقتهما، فالدنيا هي تصاريف أمور تجري على الإنسان من يوم ولادة الجسد إلى يوم الممات الذي هو ولادة النفس ومفارقتها إياه، والآخرة هي تصاريف أمور تجري على الإنسان من يوم الممات ومفارقة النفس الجسد إلى ما بعدها أبد الآبدين ودهر الداهرين.
واعلم يا أخي بأن الله، جل ثناؤه، سمى الحياة الدنيا عرضا ومتاعا إلى حين؛ لأن كون الإنسان في الدنيا عارض عرض في طريق الآخرة، ولم يكن القصد والغرض المقام فيها، كما أن الغرض في الكون في الرحم لم يكن الغرض والقصد [منه] طول المكث والمقام هناك، ولكن طريقا وجوازا إلى الدنيا؛ فكذلك كون النفس في هذا الجسد، هو سفينة ومركوب ومعبر إلى الدار الآخرة. وذلك أنه لم يكن الورود إلى الدنيا [ممكنا] دون الكون هنالك [أي في الرحم] زمانا لتتميم بنية الجسد وتكميل صورته، كما بينا في رسالة مسقط النطفة، فهكذا أيضا حكم المكث في الدنيا والكون فيها زمانا هو طريق وجواز إلى ما بعدها؛ وذلك أنه لم يمكن الورود إلى الدار الآخرة دون الجواز على الدنيا والكون فيها زمانا ما لكيما تتم أحوال النفس وتكمل فضائلها ...
اعلموا أيها الناس إنكم إنما خلقتم للأبد، ولكن من دار إلى دار تنقلون، ومن الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى البرزخ، ومن البرزخ إلى الجنة أو إلى النار، كما ذكر الله، عز وجل، بقوله:
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون
1
ناپیژندل شوی مخ