د اخوان صفا لار
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
ژانرونه
وإذ قد ذكرنا الدوائر التي هي دون فلك القمر إلى منتهى مركز الأرض، فلنذكر الدوائر التي على سطح الأرض، الكائنة فيها، الصاعدة عنها، المستقرة عليها.
اعلم أيها الأخ أنه أول ما بدأ في باطن الأرض، وتحرك بالكون، المعادن؛ وهي دائرة كانت ذات قوة كامنة، كثيفة وثقيلة، منها صلبة ورخوة، ذات ألوان وأصباغ وزيادة ونقصان ... ولكل شكل منها فعل يختص به وقوة توجد فيه. ثم الدائرة التي فوقها التالية لها دائرة النبات، وهي مرتفعة عن الأرض بعد كونها مرتفعة نحو المحيط، قابلة لما ينزل عليها، وفعلها الغذاء للحيوان، وهي الواسطة بينه وبين الأرض بما يتناوله من ثمارها وحبوبها ...
والدائرة التي من فوقها دائرة الحيوان ... وهي حائطة بدائرة النبات، قاهرة لما يكون فيها، تأكل منها وتتغذى بها، ولكل جنس منها عمل وهو عامل له، وفعل يختص به، وفيها للإنسان منافع. والدائرة المرتبة فوق هذه الدوائر، التي هي لها كالفلك المحيط بالأفلاك ، دائرة عالم الإنسان، إذ كان المتحكم فيها كلها ...
وهذه النفوس الحيوانية المرتبة تحت الإنسان بالطاعة له والانقياد لأمره ونهيه، هم الملائكة الذين سجدوا لآدم، عليه السلام، وأقروا بالطاعة، وهم صور وأشباح للملائكة الذين هم سكان السماوات وعالم الأفلاك» (49: 4، 225-229).
في صفة الأرض
يقول الإخوان في مطلع رسالة الجغرافيا: «من أجل أن مذهب إخواننا، أيدهم الله وإيانا بروح منه، هو النظر في جميع الموجودات والبحث عن مبادئها وعن علة وجدانها، وعن مراتب نظامها، والكشف عن كيفية ارتباط معلولاتها بعللها بإذن باريها، جل ثناؤه، احتجنا إلى أن نذكر حال الأرض وكيفية صورتها، وسبب وقوفها في مركز العالم. وذلك أن المعرفة بحالها وبكيفية وقوفها في الهواء، من العلوم الشريفة؛ لأن عليها وقوف أجسامنا، ومنها بدأ كون أجسادنا ونشوءها ومادة بقائها، وإليها عودها عند مفارقة نفوسها. وأيضا، فإن النظر في هذا العالم يكون سببا لترقي همم نفوسنا إلى عالم الأفلاك مسكن العليين. وكثرة أفكارنا في عالم الأفلاك مسكن العليين. وكثرة أفكارنا في عالم الأفلاك تكون سببا لانتباه نفوسنا من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، ويدعوها ذلك إلى الانبعاث من عالم الكون والفساد إلى عالم البقاء والدوام» (4: 1، 158-159).
وفي الحقيقة فإن ما قدمه لنا الإخوان في وصف الأرض، يدل على معارف جغرافية واسعة تتفق في خطوطها العامة مع معارفنا الراهنة. فقد قاسوا محيط الأرض، وحددوا مركزها وطول قطرها، وأعطونا فكرة شاملة عن مناخاتها وأقاليمها، وعدد بحارها، وأهم سلاسل جبالها، وعدد أنهارها الرئيسة وأطوالها. وحددوا قطب الشمال وقطب الجنوب، ورسموا خط الاستواء وخطوط العرض والطول، والخط الطولي الرئيس الذي ندعوه اليوم بخط غرينتش. وإليكم بعض ما قدموه من معلومات: «وقبل وصفها [الأقاليم]، نحتاج إلى أن نذكر صفة الأرض وجهاتها الست، وكيفية وقوفها في الهواء. أما الجهات فهي الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق والأسفل. فالشرق من حيث تطلع الشمس، والغرب من حيث تغرب الشمس، والجنوب من حيث مدار سهيل [= السرطان]، والشمال من حيث مدار الجدي والفرقدين، والفوق مما يلي السماء، والأسفل مما يلي مركز الأرض.
والأرض جسم مدور مثل الكرة وهي واقفة في الهواء ... والهواء محيط بها من جميع جهاتها شرقها وغربها وجنوبها وشمالها ... وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساو. وأعظم دائرة في بسيط الأرض 25455 ميلا 6855 فرسخا، وقطر هذه الدائرة هو قطر الأرض 6551 ميلا 2167 فرسخا بالتقريب. ومركزها هي نقطة متوهمة في عمقها على نصف القطر، وبعدها من ظاهر سطح الأرض ومن سطح البحر من جميع الجهات متساو ... وليس شيء من ظاهر سطح الأرض من جميع جهاتها هو أسفل الأرض كما يتوهم كثير من الناس ... وذلك أنهم يتوهمون بأن سطح الأرض من الجانب المقابل لموضعنا هو أسفل الأرض، وليس الأمر كما توهموا ... وذلك أن أسفل الأرض بالحقيقة هو نقطة وهمية في عمق الأرض ... فأما سطحها الظاهر المماس للهواء، وسطح البحار من جميع الجهات، فهو فوق ...
واعلم يا أخي أن الإنسان أي موضع وقف على سطح الأرض ... فقدمه أبدا يكون فوق الأرض، ورأسه إلى فوق، مما يلي السماء، ورجلاه أسفل، مما يلي مركز الأرض. وهو يرى من السماء نصفها، والنصف الآخر يستره عنه حدبة الأرض، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الموضع إلى الموضع الآخر، ظهر له من السماء مقدار ما خفي عنه من الجهة الأخرى» (4: 1، 160-161).
وفي تعليلهم لسبب وقوف الأرض في وسط الهواء، يكشف الإخوان عن معرفتهم العامة بقانون الجاذبية: «وأما سبب وقوف الأرض في وسط الهواء ففيه أربعة أقاويل؛ منها ما قيل: إن سبب وقوفها هو جذب القلب لها من جميع جهاتها بالسوية، فوجب لها الوقوف في الوسط لما تساوت قوة الجذب من جميع الجهات؛ ومنها ما قيل: إنه الدفع بمثل ذلك، فوجب لها الوقوف في الوسط لما تساوت قوة الدفع من جميع الجهات؛ ومنها ما قيل: إن سبب وقوفها في الوسط هو جذب المركز لجميع أجزائها من جميع الجهات إلى الوسط؛ لأنه لما كان مركز الأرض مركز الفلك أيضا، وهو مغناطيس الأثقال بينما مركز الأرض، وأجزاء الأرض لما كانت كلها ثقيلة انجذبت إلى المركز، وسبق جزء واحد وحصل في المركز، ووقف باقي الأجزاء حولها، يعني حول النقطة، يطلب كل جزء منها المركز، فصارت الأرض بجميع أجزائها كرة واحدة بذلك السبب ... والوجه الرابع ما قيل في سبب وقوف الأرض في وسط الهواء هو خصوصية الموضع اللائق بها، وذلك أن الباري، عز وجل، جعل لكل جسم من الأجسام الكليات، يعني النار والهواء والماء والأرض، موضعا مخصوصا هو أليق المواضع به، وهكذا القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري وزحل، جعل لكل واحد منها موضعا مخصوصا في فلكه هو ثابت فيه والفلك يديره معه» (4: 1، 162). «الأرض نصفها مغطى بالبحر الأعظم المحيط، والنصف الآخر مكشوف؛ مثلها مثل بيضة غائصة نصفها في الماء والنصف الآخر ناتئ من الماء. وهذا النصف المكشوف نصف منه خراب مما يلي الجنوب من خط الاستواء والنصف الآخر الذي هو الربع المسكون مما يلي الشمال من خط الاستواء. وخط الاستواء هو خط متوهم ابتداؤه من المشرق إلى المغرب تحت مدار رأس برج الحمل، والليل والنهار أبدا على ذلك الخط متساويان، والقطبان هناك ملازمان للأفق، أحدهما مما يلي مدار سهيل [= السرطان] والآخر في الشمال مما يلي الجدي ... وهذا الربع الشمالي المسكون من الأرض سبعة أبحر كبار، وفي كل بحر منها عدة جزائر، تكسير كل جزيرة منها عشرون فرسخا إلى مائة فرسخ إلى ألف فرسخ. فمنها بحر الروم وفيه نحو خمسين جزيرة، ومنها بحر الصقالبة وفيه نحو ثلاثين جزيرة، ومنها بحر جرجان وفيه خمس جزائر، ومنها بحر القلزم وفيه نحو خمس عشرة جزيرة، ومنها بحر فارس وفيه سبع جزائر، ومنها بحر السند والهند وفيه نحو ألف جزيرة، ومنها بحر الصين وفيه نحو مائتي جزيرة ... وأما بحر الغرب وبحر يأجوج ومأجوج وبحر الزنج، وبحر الزانج، والبحر الأخضر، والبحر المحيط فخارج عن هذا الربع المسكون، وكل واحد من هذه الأبحر شعبة وخليج من البحر المحيط، وكلها مالح.
ناپیژندل شوی مخ