د اخوان صفا لار
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
ژانرونه
واعلم يا أخي أن الباري، جل ثناؤه، لا يباشر الأجسام بنفسه، ولا يتولى الأفعال بذاته، بل يأمر ملائكته الموكلين، وعباده المؤيدين، فيفعلون ما يؤمرون ... واعلم يا أخي أن هذه الصنائع والأفعال التي تجري على أيدي عباده، إذا نسبت إلى الباري، جل جلاله، فإن نسبتها على مثل نسبة أفعال الملوك، إذا قيل: بنى فلان الملك مدينة كذا، وحفر نهر كذا، وعمر بلد كذا ... فلأن ذلك كان بأمرهم وإرادتهم ومشيئتهم وعنايتهم، لا أنهم تولوا الأفعال بأنفسهم أو باشروا الأعمال بأجسامهم» (19: 2، 127-129).
فيما يأتي من هذا الفصل سوف نركز على العالم السفلي، عالم الكون والفساد، الذي هبطت إليه النفوس الجزئية من عالمها الروحاني، كيما تستكمل فضائلها وتسعى لإعتاق نفسها من هيولى المادة وظلمة الأجسام الكثيفة. فهذا العالم هو الذي ينشط فيه الإنسان الذي وضع الإخوان رسائلهم من أجل الكشف عن بصيرته وإفهامه شرطه.
في كيفية نضد عالم الكون والفساد
في وصفنا لكيفية نضد العالم، قلنا: إن العالم السفلي الذي ينتظم تحت فلك القمر يتألف من كرتين هما آخر الأكر الإحدى عشرة التي يتكون منها العالم بأسره، وهما كرة الهواء وكرة الأرض؛ لأن الأرض والماء كرة واحدة. ولكن الإخوان يعودون إلى إعطائنا تفصيلات أكثر بخصوص نضد عالم الكون والفساد ودوائره المتتابعة. «فأول الدوائر التي دون فلك القمر دائرة الأثير وهي دائرة كرية نارية حادثة من تحريك فلك القمر وما يتصل به من أفلاك الكواكب ونيران حرارات دوران الأفلاك واصطكاكاتها وتموجها وشعاعاتها، وتجتمع كلها تحت فلك القمر. وكيفية هذه الدائرة وردية متموجة متحركة مستديرة، ينحط منها إلى العالم قوى نارية، والنار التي في العالم منها، ويكون وصولها إلى العالم بوصول نور الشمس وهي الحرارة التي تنحل بنور الشمس مما دون فلك القمر، تقوى في الصيف وتضعف في الشتاء ... ومن فعل دائرة الأثير في العالم يكون التسخين والنضج وإصلاح الغذاء، وهي النار المستضاء بها من ظلمات الليل، وهي نار جزئية من النار الكلية.
ومن تحتها دائرة الزمهرير؛ وكيفيتها كرية لونها أزرق وتحمر، وحدوثها من الهواء والبخارات الصاعدة من الأرض، فإذا وصلت إلى سطح كرة الأثير تعذر عليها نفوذها فوقفت مرتبة تحتها. منها ينبث إلى العالم ما يحدث في الشتاء من البرد والأمطار والثلوج، وما شاكل ذلك، إذا بعدت الشمس وضعف فعل دائرة الأثير ... وفعلها البرد والرطوبة، ووصولها يكون بوصول [نور] القمر، ويزيد بزيادته وينقص بنقصانه.
ومن تحتها دائرة النسيم
3
وكيفيتها مستديرة ممتزجة، ولونها اسمانجوني، وهو لون السماء، وتبيض بإشراق الشمس والقمر والكواكب عليه، تضيء بالنهار وتظلم بالليل، وهي مهيأة لقبول الأنوار وتضيء بحسب قواها فيها ووصولها إليها وإشراقها عليها. وفعل هذه الدائرة في العالم تغذية الأجسام وحفظها على استواء النظام ، وترويح الحرارة الغريزية والنفس، وحفظ القوة والحركة، وطيبة العيش ولذة الحياة. وهي معتدلة تميل مع ما يقوى عليها ويتصل بها، تبرد في الشتاء بما يتصل بها من قوة الزمهرير، وتحمى في الصيف بما يتصل بها من قوة حر الأثير، وما يكون من فعل الشمس والقمر وبقية الكواكب، ذلك تقدير العزيز العليم.
ودون دائرة الهواء دائرة الماء، وهي مستديرة حائطة بالأرض، والهواء حائط بها، فما ينشفه الهواء ويصعد به ويعرج معه بالبخارات الصاعدة مع لطائف الأمهات حتى يتصل بدائرة الزمهرير ويسخن بحرارة الأثير، وتشرق الشمس عليه مع شعاعات الكواكب، فيصير مطرا وغيثا يغاث به أهل الأرض ويصير حلوا طيبا سائغا ... ومنه ما يكون قبل صعوده ملحا أجاجا كالبحار المالحة ...
وبعد دائرة الماء دائرة الأرض وهي التراب، وكيفيتها مستديرة، ولونها أسود، كثيفة جامدة، وعلى بسيطها مستقر الجثمانيين، وعلى ظهرها إشراق أنوار الروحانيين ... وهي مهبط الوحي والملائكة المقربين، وفي باطنها سكون المعادن، وفي البقاع الطيبة يستقر الماء المعين الذي هو لذة للشاربين سطحها مما يلي الأفلاك هو وجهها، وهو مقر العالم الجسماني، والخلق الإنساني ...
ناپیژندل شوی مخ