د اخوان صفا لار
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
ژانرونه
فهذا الذي كان سبب كون العالم، أعني عالم الأجسام، بعد أن لم يكن. ومن يريد أن يتصور كيفية تمخض الهيولى، وتميز أجزاء الجسم اللطيف منها من الكثيف، وقبولها الأشكال الكرية الفلكية الشفافة، وكيف تركب بعضها في جو بعض في مراتبها ودورانها، وكيف استدارت أجرام الكواكب النيرة، وركزت مراكزها في أفلاكها في مسيراتها، وكيف تمخضت أجزاء الأركان الأربعة بعضها مع بعض، وتميز بعضها من بعض، وترتبت على ما هي عليه الآن كلها من هيولى واحدة من حيث الجسمية، مع اختلاف صورها وفنون أشكالها، فليعتبر تركيب جسده من دم الطمث في الرحم كيف تمخض وتميز، وصار بعضها عظاما بيضا صلبة، وبعضها لحما أحمر، وبعضها شحما دسما أصفر، وبعضها عروقا مجوفة ... وما شاكل هذه الأشياء المختلفة الأشكال والصور ... وإن عجز فهمه عن تصور كون هذه من دم الطمث، ومن النطفة وتركيبها منه، وكيفية قبولها هذه الصور والأشكال والطعوم والألوان التي هي أقرب إليه، ومعرفتها أسهل عليه، فهو عن تصور كيفية الأفلاك، وخلق أطباق السماوات والأرضين أبعد، وهو بها أجهل وأقل فهما.
ثم اعلم أنه سترجع النفس الكلية إلى عالمها الروحاني ومحلها النوراني وحالتها الأولى التي كانت عليها قبل تعلقها بالجسم، كما قال تعالى: ... كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ...
8
ولكن لا يكون ذلك إلا بعد مضي الدهور والأزمان الطوال. وسيخرب العالم الجسماني إذا فارقته النفس» (40: 3، 351-354).
ذلك أن نفس العالم هي علة حياته وحركته مثلما أن النفس الجزئية هي علة حياة وحركة أجسام الأحياء التي ربطت إليها: «إن الحركة هي صورة روحانية تجعلها النفس في الأجسام، فيها تكون الأجسام متحركة ... فالنفوس هي المحركة للأجسام، والأجسام هي المحركات والمسكنات بتحريك النفوس لها وتسكينها إياها ... والتحريك هو فعل النفس، والحركة هي صورة تجعلها النفس في الجسم، بها يكون الجسم متحركا؛ وأما التسكين فهو أيضا فعل من أفعال النفس التي تحرك الجسم وتسكنه تارة أخرى ...
وإذا تأملت يا أخي واعتبرت ما وصفنا من أحوال الحركات والمتحركات التي في العالم، علمت وتبين لك أن حكم العالم بجميع أجزائه ومجاري أموره، تجري مجرى مدينة واحدة، أو حيوان واحد، أو إنسان واحد، لا ينفك من الحركة والسكون، إما بكليته أو بجزئيته.
وقد بينا في رسالة ماهية الطبيعة، ورسالة السماء والعالم، أن سبب حركات الأركان ومولداتها هو حركة الكواكب، وسبب حركات الكواكب دوران الفلك، والمحرك والمدبر للأفلاك هي النفس الكلية الفلكية، فإن النفس الفلكية هي ملك من الملائكة المقربين وجنوده وأعوانه، وهو الذي أشير إليه بقوله تعالى:
يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ...
9
وقال تعالى:
ناپیژندل شوی مخ