ويفنى عن غيره، ويرِقّ قلبه ولتجرَّد نفسه، فيشاهد محبوبه كالحاضر معه القريب إليه، وبينهما من البعد ما بينهما. وفي هذا (^١) الحال يكون في قلبه وجودُه العلمي، وفي لسانه وجودُه اللفظي، فيستولي هذا الشهودُ عليه ويغيبُ به، فيظن أنَّ في عينه (^٢) وجودَه الخارجي، لِغلبة حكم القلب والروح، كما قيل:
خيالُك في عيني، وذكرُكَ في فمي ... ومثواكَ في قلبي، فأين تغيب! (^٣)
هذا، ويكون ذلك المحبوب بعينه بينه وبين عدوه من البعد ما بينهما (^٤)، وإن قربت الأبدانُ وتلاصقت الديارُ. والمقصودُ أنَّ المثال العلمي غير الحقيقة الخارجية وإن كان مطابقًا لها، لكنّ المثال العلمي محلُّه القلب، والحقيقة الخارجيَّة محلُّها الخارج.
فمعرفة هذه (^٥) الأسماء الأربعة -وهي: الأوَّل، والآخر، والظاهر والباطن- هي أركان العلم والمعرفة، فحقيق بالعبد أن يبلغ في معرفتها إلى حيث ينتهي به قواه وفهمه.
واعلم أنَّ لك أنت أوَّلًا وآخرًا وباطنًا وظاهرًا (^٦)، بل كل شي فله أوَّل
(^١) "ك، ط": "هذه".
(^٢) "ف": "غيبة"، تصحيف.
(^٣) أنشده المصنف في روضة المحبين (١٠٠)، والداء والدواء (٢٨٥)، ومع بيت آخر في المفتاح (١/ ٤٣٨)، وهو لأبي الحكم ابن غَلِندو الأشبيلي الطبيب الشاعر (٥٨١ أو ٥٨٧ هـ). انظر: معجم الأدباء (١١٩٤).
(^٤) "ك": "ما بينها من البعد". ط: "وما بينهما. . ".
(^٥) "هذه" ساقط من "ط" ومستدرك في القطرية.
(^٦) "ك، ط": "ظاهرًا وباطنًا".