وشربا العصير، ثم تهيأت لنغمة جديدة مهدت لها بابتسامة حيية، ثم تساءلت: ولا تجد وقتا للتفكير في؟ - بل أفكر فيك طول الوقت. - ماذا قال لك التفكير؟
متى تعترف لها بكل شيء، وتعفي نفسك من الكذب؟ - أنت لا تتكلم، تحدثنا آخر مرة عن عمل جديد في القاهرة!
آه .. أنت لا تفكر إلا في الاعتراف، وعما قليل ستنفجر. - أجل، لم أنس ذلك لحظة واحدة. - رغم مشاغلك؟ - رغم مشاغلي كلها. - أما أنا فأدرس الموضوع من جميع نواحيه.
انهار آخر حصن للمقاومة، فقال: إلهام، أنا أحبك، أحبك من كل قلبي، ولكني كذبت عليك.
رمقته بدهشة وهي تسأل: متى وكيف كذبت؟ - كذبت عليك بدافع حبي نفسه. - لا أفهم شيئا. - قلت لك إني أبحث عن أخي، والحقيقة أني أبحث عن أبي. - أبوك! - أجل، أبي هو الذي أبحث عنه. - وكيف فقدته؟ أهي حكاية كحكايتي؟ - كلا، صدقت طول عمري أنه ميت، وفي الساعة الأخيرة من حياة أمي اعترفت لي بأنه حي، وأن علي أن أجده.
وهي تحدق في وجهه طول الوقت: على أي حال ليس الأمر بذي بال. - لكنني رجل مفلس لا أملك إلا جنيهات، كانت أمي غنية جدا، وكنت أعيش عيشة الوجهاء، ثم ضاعت ثروة أمي لآخر مليم، لم تترك لي سوى وثيقة زواجها وصورة أبي لأثبت بها بنوتي أمامه عندما أجده، وعدا ذلك فإنني لا أصلح لشيء.
أثقل الوجوم عينيها الصافيتين. كيف كانت تكون حالها لو اعترف لها بسيرة أمه وماضيه على حقيقتهما؟ - أقرأ الانزعاج في وجهك! - كلا، ولكنها المفاجأة. - أنا غير جدير بك ولن أغفر لنفسي خداعك.
تمتمت: إني أفهم جيدا لماذا كذبت علي. - الأفظع من ذلك أنني جعلتك تحبين شخصا غير جدير بحبك. - وحبك أهو كاذب؟ - أبدا، مطلقا، أحبك من كل قلبي.
وهي تتنهد: والحب هو الذي ردك إلى مصارحتي بالحقيقة؟ - أجل هو ذلك. - إذن فعذرك واضح. - ولكنه يطالبني أيضا بالابتعاد عنك.
وهي تزدرد ريقها: ولكن بالله لماذا؟ - مفلس ولا أهل لي، ولا أصلح لشيء. - الإفلاس لا يهم فهو حال مؤقتة، والأهل لا يهمون فما حاجتنا إليهم! ولكنك تصلح لأشياء كثيرة. - أشك في ذلك، لا شهادة لي، ولا علم، ولا خبرة، ولا عمل؛ ولذلك فلا أمل لي إلا في العثور على أبي. - وهل يغني أبوك عن كل شيء؟ - أفهمتني أمي أنه من الوجهاء وممن يشغلون المناصب الخطيرة.
ناپیژندل شوی مخ