هزت نبرتها أعماقه فأرهف حواسه وقلبه يخفق. وطال صمت لدرجة أرهقته، فقال: ماذا أسكتك؟ - تعبت، لا تسألني عن شيء. - ولكن مشكلتنا ما زالت عند نقطة البدء. - دعها حيث هي. - ولكن يوجد بلا شك حل. - ما هو؟ - إني أسأل. - وأنا أسأل. - لكنني توقعت في لحظة أن تقولي شيئا هاما. - لا رأي عندي، ولكنه حلم، كالتليفون؛ أن أرث سريعا الفندق والمال المودع باسمي، وأن نعيش معا إلى الأبد. - آه! - عيبنا أننا عند العجز نحلم. - ولكن الحلم قد يتحقق فجأة. - كيف؟ - يتحقق وحده! - صوتك ضعيف يقطع بأنك لا تصدق نفسك. - نعم، وإذن؟ - وإذن سيطلع الفجر ونحن لا ندري، وقد قلنا ما يمكن أن يقال.
ارتدت ثيابها في الظلام وهو يتطلع إلى شبحها المتحرك. وتبادلا قبلة وراء الباب، ثم ذهبت.
اندس تحت الغطاء فغشيته كآبة مقبضة. الظلام لون الموت، وظلمة القبر تشهد الآن صورة لأمك لم يشهدها أحد. وعندما نطق القاضي بالحكم وددت أن تخنقه. وفي السجن قالت لك: «أنا عارفة الوغد الذي وشى بي، سأقتله!» كنت جميلة وقوية! وما اعترى صحتك في السجن لا ينسى، وحبك لي لا ينسى كذلك، أما صورتك الآن فلا يمكن تخيلها. كم من هموم تتلاشى لو اعترفت لإلهام بكل شيء! هي تعطيك كل شيء صادق، وأنت لم تعطها إلا حزمة من الأكاذيب. أبي .. لم تصر على الاختفاء؟ قال: «أمك تظن أنها قتلتني وفي الحقيقة أنا الذي قتلتها.» إذن فأنت مختف لأنك قاتل «ولكنني سأعرف كيف أهتدي إليك.» وإلهام أنت تغتصبها وهي تقاوم بشدة. وتصيح وهي تداري ثوبها الممزق: «سأقتلك!» سأقتلك أنا لأخفي جريمتي. وارتفع صوت المؤذن عند الفجر فهاله أنه لم ينم دقيقة واحدة، ولكنه تذكر الاغتصاب والقتل فهدأت نفسه قليلا، وأدرك أن النوم سرقه وهو لا يدري بعض الوقت. ولعله حلم بالسهاد فيما حلم. واستيقظ مرة أخرى في السابعة، وفتح النافذة فرأى الضباب يزفر على الآفاق، والسماء طبقات من الألوان القاتمة. وترامى إليه صوت الشحاذ:
طه زينة مديحي
صاحب الوجه المليح
وما كاد يبلغ باب الاستراحة حتى رأى عم خليل نازلا متكئا على ذراع علي سريقوس، متلفعا بالعباءة. جلس ينظر إليه من بعيد، إلى يده المعروقة المرتعشة، والكوفية السوداء التي أخفت عنقه النحيل. خير ما تفعل يا عم خليل هو أن تموت. أنا أعرف عنك أكثر مما تتصور. أنت لا تنام إلا بالمنوم وبعد أن تدلكك كريمة طويلا. وسعادتك تمارسها في الحنان العقيم. ولذتك الوهمية عندما تجردها من ثيابها فتذهب أمامك وتجيء، ثم تحبها براحتيك. يستوي لدي أن يجيء أبي أو أن تذهب أنت. مرة أوشك أن يقتل في الكنار الليلي؛ في طرقة المرحاض اعترضه ضابط بحري، وقال له: «اترك علية فنار وإلا ...» واشتبكا في صراع مخيف. تلقى منه ضربات وكيل له ضربات وحشية. ولم يكف حتى حين استلقى غريمه بلا حراك. لم تعد مجرد خطة للتغلب على الخصم، ولكن اندفاعا جنونيا للقضاء عليه. لولا أن رمى النادل بنفسه علي صائحا «هل تحب المشنقة؟» وعند الفجر قالت أمه: «يا حسرتي لما أسمع أنني كنت سأفقدك!» وقالت: «إذا ضايقك وغد فخبرني، وأنا قادرة على إرساله إلى القبر!» كما فعلت مع منافسة لها فقتلها رجل من أعوانها ثم فر إلى ليبيا. وقالت الإسكندرية إن بسيمة عمران هي الفاعلة الأصلية. ولكن أين الدليل؟ أما أنت يا عم خليل فلن تتغير تغيرا يذكر بعد الموت.
8
قال صابر يخاطب الأستاذ إحسان الطنطاوي: أظن أن الاستمرار في الإعلان عبث!
فأجاب الرجل بتسليم: أظن ذلك. - لا شك أنه اطلع على الإعلان، هو أو أحد من ذويه. - هذا هو اعتقادي.
وتدخلت إلهام في الحديث قائلة: إذن فهو يرفض العودة.
ناپیژندل شوی مخ