تاریخ اُمت قبطیه
الهدية التوفيقية في تاريخ الأمة القبطية
ژانرونه
وبعد وفاته أعقبه في الملك الملك منفطة أو منفتاح الثاني، وفي أيامه دخل جماعة من اليونان والصقليين إلى البلاد القبطية بقصد الاستيلاء عليها؛ فلم يمكنهم من نوال بغيتهم، بل صدهم بجيشه الجرار وردهم على أعقابهم خائبين، وقد قيل إن خروج بني إسرائيل من مصر كان على عهد هذا البطل الهمام المقدام، ولكن هذا الزعم لم يتأكد بعد.
ومنهم أيضا «رمسيس الثالث» الذي أتى بأعمال جديرة بالذكر وحرية بالاعتبار؛ ولذا كان من أعظم ملوك الأرض طرا شأنا وأسماهم مكانة؛ إذ قامت في أيامه بلاد الحبشة والنوبة، وأغاروا على البلاد المصرية فهزمهم وصدهم، وأدخل أيضا تحت سلطته كسائر الملحقات المصرية، وأباد جميع أعدائه برا وبحرا، وغادرهم في حيرتهم؛ مرتبكين متعجبين من تلك الجسارة والشهامة التي تجاوزت الحد.
ولكن أبى الدهر إلا أن تسقط وتهبط بلاد القبط في أيام خلفائه الذين لم ينسجوا على منواله، ولم يحسنوا التصرف ولا تدبروا في نتائج أعمالهم.
وبيان ذلك أنه في أيام رمسيس الثالث عشر آخر ملوك هذه الدولة الشهيرة تداخل رئيس كهنة الإله آمون في أمر الأحكام والسلطة الإدارية التي انتزعها منهم الملك ميناس كما سلف آنفا. ثم انضم إلى هؤلاء الكهنة أيضا حزب مؤلف من سذج الشعب، وما زال الجدال على هذا المنوال بين حزب الكهنة وبين الحزب الملوكي، حتى انتزع أخيرا رئيس الكهنة السلطة من الملك رمسيس المذكور.
ولا ريب أن هذه الحادثة التاريخية القديمة تضارع كل المضارعة حادثتنا القبطية الأخيرة الشهيرة، كما وأنها تدل أيضا على طموح كهنتنا إلى السلطة العالمية، وجنوحهم إليها وولوعهم بها منذ القدم.
أما حكم هذه الدولة الكهنوتية الجديدة فقد استمر نحو 178 سنة، وفي ذاك الزمن أخذ اليونان مدينة تروادة، ولكن لم تأت هذه الدولة بعمل يذكر فيشكر، بل عاش ملوكها عيشة التواني والكسل، وماتوا بدون أن يخلفوا بعدهم أدنى عمل؛ ولذا دعاهم المؤرخون بالملوك أهل الكسل وأرباب البطالة، وغاية ما علم من آثارهم أنه كان يوجد لأولهم المدعو منداس حجر ببريا أصوان، منقوش عليه كتابة بالقلم اليربائي تحتوي على طلب الدعاء بحفظ الذات الملوكية أي منداس، ولقد كانت هذه الدولة معاصرة للملك داود وابنه سليمان اللذين استوليا على أغلب الملحقات المصرية بدون أن يجدوا من يمانعهم أو ينازعهم من الأقباط.
ولما دام الحال على هذه الوتيرة مدة من الزمن شق هذا الأمر على قدماء الأقباط، إذ علموا أنهم إذا استمروا على هذا التواني والتهاون ضاعت بلادهم وساءت حالهم، فريثما تضعضعت حالة هذه الدولة الكهنوتية المتقاعدة ظهرت عائلة من بسطة الكائنة بقرب الزقازيق، وخلعت منها الحكم ثم استولت على جميع البلاد القبطية، وجعلت مدينة بسطة المذكورة عاصمة بلادها ومركز ملوكها.
وأول ملوك هذه العائلة شبشاق الأول الذي غزا بلاد فلسطين، واستولى على جميع قلاعها وسلب أموال قصورها الملوكية، ثم أخلفه في الحكم ابنه سار حدون الأول المذكور في التوراة باسم زاراق الحبشي، وهو الذي حارب مملكة يهوذا كسلفه، على أنه خذل وآب بصفقة المغبون. والظاهر أن هذين الملكين كانا من الأجانب الذين توطنوا، أو أن لهم قرابة أو مصاهرة مع الأقباط الأصليين؛ لأن أسماءهم تحاكي أسماء ملوك العراق والأكراد، وليس لهم من العمارات والآثارات ما يستحق الذكر.
وفي مدة هذه العائلة تجزأت بلاد القبط إلى ولايات صغيرة كان يرأس كل ولاية منها رئيس من الليبيين، ونظرا لإهمال ملوك هذه العائلة تداخل هؤلاء الرؤساء فيما لا يعنيهم وتجاوزوا حدودهم؛ حتى اغتصبوا وظائف الحكومة، فاختلت حركة البلاد واعتلت حالتها، فزحف إليها في ذاك الزمن الأيثيوبيون من جهة الجنوب والآشوريون من جهة الشمال، فانحطت البلاد انحطاطا كليا ، وضعفت قوتها وخرج عن حكمها سائر ملحقاتها. ثم أعقب هذه العائلة عائلة أخرى كانت أسوأ منها حالا وأكثر تهاملا وتكاسلا، فازداد في عهدها تمزق وتغرق بلاد القبط، وانقسمت على عشرين ولاية، كان يحكم على كل ولاية منها أمير مخصوص، وفضلا عن هذا وذاك فلم تكتف بلاد السودان عن الخروج عن طاعة ملوك القبط بعد أن كانت منقادة لهم، بل شنت الغارة أيضا على البلاد القبطية؛ حتى وصلت إلى إقليم منف، واستمرت البلاد على هذا التجزء إلى أن نهض أحد العشرين أميرا المدعو تفتحوت وانتزع من شركائه الملك بمؤازرة الزنوج، ثم أسس عائلة أخرى غير هذه العائلة، أشهر ملوكها واحد فقط وهو الملك بوخوريس، وكان شهما هماما غيورا على مصلحة بلاده؛ إذ اهتم بتنظيمها وترتيبها وتهذيب أهليها، مع المحافظة التامة على الروابط الأجنبية، ولكن الأمة القبطية القديمة امتهنته واتهمته بأنه أهان الثور الذي كانت تعبده، فاستعانت على نزعه من السلطة بالملك سباقون ملك النوبة الذي كان وقتئذ قد شق عصا الطاعة عليه، فأغار الملك سباقون هذا على بلاد الأقباط، فساعدوه هم بأنفسهم على الاستيلاء عليهم، ولما وقع بوخوريس في قبضة هذا الجبار العنيد لم يشفق عليه بل ألقاه في النار حيا.
الفصل التاسع
ناپیژندل شوی مخ