د راشدینو خلافت عصر: د عربي امت تاریخ (درېیمه برخه)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
ژانرونه
ومما زاد في الوضع سوءا أن عبد الله بن عباس أمير البصرة أخذ يستبد بالأمر دون الإمام عليه السلام، حتى كتب أبو الأسود الدؤلي كتابا إلى الإمام يقول له فيه: «أما بعد فإن الله جعلك واليا مؤتمنا وراعيا مسئولا، وقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة ناصحا للرعية، توفر لهم وتظلف نفسك عن دنياهم، فلا تأكل أموالهم ولا ترتشي في أحكامهم، وإن عاملك وابن عمك عبد الله بن عباس قد أكل ما تحت يده بغير علمك، ولا يسعني كتمانك ذلك، فانظر رحمك الله فيما قبلنا من أمرك، واكتب إلي برأيك إن شاء الله.»
فرد عليه السلام على كتاب أبي الأسود برسالة فيها: «أما بعد؛ فقد فهمت كتابك، ومثلك ينصح للإمام والأمة، ويوالي على الحق ويفارق الجور، وقد كتبت إلى صاحبك فيما كتبت إلي فيه من أمر، ولم أعلمه بكتابك إلي فيه ، فلا تدع إعلامي ما يكون بحضرتك مما النظر فيه للأمة صلاح، فإنك بذلك محقوق وهو عليك واجب، والسلام.»
وكتب إلى ابن عباس يقول: «أما بعد؛ فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك، وأخربت أمانتك، وعصيت إمامك، وخنت المسلمين، بلغني أنك جردت الأرض، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلي حسابك، واعلم أن حساب الله أشد من حساب الناس ...» فأجابه ابن عباس: «أما بعد فإن الذي بلغك باطل، وأنا لما تحت يدي أضبط وأحفظ، فلا تصدق على الأظناء، رحمك الله، والسلام.»
فغضب الإمام من هذه الرسالة التي لا تشفي غلة، ولا تنفي تهمة، وكتب إليه يقول: «أما بعد فإنه لا يسعني تركك حتى تعلمني ما أخذت من الجزية ومن أين أخذته؟ وفيم وضعت ما أنفقت منه؟ فاتق الله فيما ائتمنتك عليه واسترعيتك حفظه، فإن المتاع بما أنت رازئ منه قليل، وتبعة ذلك شديدة، والسلام.»
فلما قرأ ابن عباس هذا الكتاب خرج عن هدوئه، فكتب إلى الإمام كتابا فيه شيء كثير من خطل الرأي وفساد الطوية، ويقول له فيه: إنه يؤثر أن يلقى الله وفي ذمته شيء من أموال المسلمين على أن يلقاه وفي ذمته تلك الدماء التي سفكها علي يوم الجمل، ويوم صفين، ويوم النهروان، وإن تلك الدماء إنما سفكت في سبيل الملك.
هذا ما كتب به ابن عباس إلى ابن عمه الإمام عليه السلام، وقد نسي أو تناسى - على الأصح - أنه يكتب إلى خليفة رسول الله، وأنه شاركه في هذه الحروب كلها، بل كان قائده يوم الجمل ويوم صفين، وأنه سيلقى الله وفي ذمته أموال المسلمين ودماؤهم معا، وزاد ابن عباس الأمر تعقيدا أنه عزم على ترك البصرة إلى الحجاز ومعه أموال بيت المال، ولكن أهل البصرة لما علموا بنيته لم يخلوا بينه وبين المال، فاستعان عليهم بأخواله بني هلال، وكادت الفتنة أن تقع بين البصريين والهلاليين لولا أن تداخل العقلاء، وذهب ابن عباس بالمال إلى البيت الحرام، فكتب إليه الإمام عليه السلام يلومه بكتاب رائع، ولكن ابن عباس لم يعد المال، وكتب للخليفة أنه لم يأخذ إلا ما يحق له من بيت المال.
وقد أراد معاوية أن يستولي على البصرة كما استولى على مصر، وخصوصا بعد أن علم بغضبة ابن عباس؛ فقد كان ابن عباس قد ترك البصرة لزياد، ولكن أهل البصرة وأعرابها قد استهانوا بزياد، وأراد زياد أن يستجير ببني ربيعة، فلم تعره التفاتا، فاستجار بالأزد ونقل إليهم المنبر وبيت المال، وانقسمت البصرة إلى طوائف وشيع: طائفة مع معاوية، وطائفة مع الأحنف بن قيس، وطائفة مستقلة، وهي: بنو ربيعة، وطائفة حمت زيادا وهي الأزد، وهكذا عادت العصبية القبلية الجاهلية إلى البصرة بأجلى مظاهرها، وكتب زياد إلى الإمام ينبئه بالخبر، فبعث الإمام رسوله أعين بن ضبيعة إلى البصرة، فقتله أهلها، وأراد زياد أن يثأر له فلم يستطع، فأرسل الإمام كتيبة وعلى رأسها جارية بن قدامة، فظفر بأهل البصرة، وأعيد بيت المال والمنبر إلى المسجد حيث كانا، وحاول الإمام أن يعيد الأمور إلى نصابها، فيخطب الناس ويحرضهم بخطبة رائعة صورت لنا الحالة التي كان عليها شيعته ويأسه منهم، حيث يقول: «أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله الذل، وسيم الخسف وديث بالصغار، وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلا ونهارا وسرا وإعلانا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالذي نفسي بيده ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتخاذلتم وتواكلتم وثقل عليكم قولي، واتخذتموه ظهريا حتى شنت عليكم الغارات، هذا أخو غامد، قد وردت خيله الأنبار، وقتلوا حسان بن حسان، ورجالا منهم، ونساء كثيرا، والذي نفسي بيده، لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة المسلمة والمعاهدة، فتنتزع أحجالهما ورعثهما، ثم انصرفوا موفورين، لم يكلم أحد منهم كلما، فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان عندي فيه ملوما، بل كان به عندي جديرا، يا عجبا كل العجب! عجب يميت القلب، ويشغل الفهم، ويكثر الأحزان من تضافر هؤلاء على باطلهم، وفشلكم عن حقكم حتى أصبحتم غرضا يرمى ، ترمون ولا ترمون، ويغار عليكم ولا تغيرون، ويعصى الله فيكم وترضون، إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء قلتم: هذا أوان قر وصر، وإن قلت لكم اغزوهم في الصيف قلتم: هذه حمارة الصيف، أنظرنا ينصرم الحر عنا، فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا طغام الأحلام، ويا عقول ربات الحجال، لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان، وقد ملأتم جوفي غيظا حتى قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا رأي له في الحرب، ولله درهم ، ومن ذا يكون أعلم بها مني وأشد لها مراسا؟ فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، ولقد نيفت اليوم على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.»
ولقد أحس معاوية بحقيقة الوضع العراقي، فأخذ يهيئ الكتائب لغزو العراق، وأخذ الخوارج يعملون في الديار فسادا، وأخذت جموعهم تزيد يوما بعد آخر حتى شبت نيران حرب داخلية قوية، فأخذ الإمام يعد عدته لقتالهم وقتال الشاميين معا، ولكن قادة جنده خذلوه، ولم يتحمسوا لدعوته، فلما استيئس منهم دعا إليه رؤساءهم وخاطبهم بقوله: إنكم ألححتم علي في تولي هذا الأمر، فلما أجبتكم خذلتموني، وإنه قد سئم من مطاولتهم، وإنه قد أزمع على الذهاب إلى قتال خصمه ولو بمفرده، إلى أن يقول: «أيها الناس، إنكم دعوتموني إلى هذه البيعة فلم أردكم عنها، ثم بايعتموني على الإمارة ولم أسألكم إياها، فتوثب متوثبون كفى الله مئونتهم وصرعهم لخدودهم وأتعس جدودهم وجعل دائرة السوء عليهم، وبقيت طائفة تحدث في الإسلام حدثا، تعمل بالهوى، وتحكم بغير الحق، وليست بأهل لما ادعت، وهم إذا قيل لهم تقدموا قدما تقدموا، وإذا أقبلوا لا يعرفون الحق كمعرفتهم الباطل كله، ولا يبطلون الباطل كإبطالهم الحق، أما إني فقد سئمت من عتابكم وطول خطابكم، فبينوا لي ما أنتم فاعلون، فإن كنتم شاخصين معي إلى عدوي فهو ما أطلب وما أحب، وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوا لي أمركم أر رأيي، فوالله لئن لم تخرجوا معي بأجمعكم إلى عدوكم فتقاتلوهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين، لأدعون الله عليكم، ثم لأسيرن إلى عدوكم ولو لم يكن معي إلا عشرة ...» فلما سمعوا كلامه استحيوا وذهبوا إلى قومهم وحرضوهم، فاجتمع جيش حسن، وجاءوا بهم إلى الإمام ليذهب إلى غزو الشام والقضاء على معاوية ودولته.
بينما كان الإمام يهيئ نفسه للخروج إلى الشام حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد رأى الخوارج أن الوسيلة الوحيدة لخلاصهم من خصومهم هي في القضاء على معاوية وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب، وانتدبوا عبد الرحمن بن ملجم الحميري لقتل علي، كما انتدبوا الحجاج بن عبد الله الصريمي لقتل معاوية، وانتدبوا عمرو بن بكر التميمي لقتل عمرو بن العاص، واتفقوا على يوم مسمى لتنفيذ مؤامرتهم، كما حددوا ساعة القتل، وهي ساعة صلاة الصبح في اليوم السابع عشر من رمضان تلك السنة، وهي سنة أربعين للهجرة.
فأما صاحب معاوية فإنه هجم عليه في الساعة الموقوتة، ولكنه لم يصبه بأذى؛ لأنه كان دارعا.
ناپیژندل شوی مخ