د یابود د عصرو: د عربي ملت تاریخ (بڼه پنځم)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
ژانرونه
فكأن أبا مسلم قد شعر بالمؤامرة فأراد التخلص من هذه المهمة، ولكن المنصور كان إذا عزم على أمر لم يتركه، فاضطر أبا مسلم على السفر، ودامت الحرب بين عبد الله وأبي مسلم قرابة نصف سنة، وانخذل عبد الله في آخر الآمر، وكانت المعركة الفاصلة في يوم 7 جمادى الآخرة سنة 137ه، وهرب عبد الله والتجأ إلى أخيه سليمان أمير البصرة، فأمنه على نفسه وسعى لدى المنصور ليعفو عنه، فوافق على سجنه وظل مسجونا إلى سنة 147ه ومات في حبسه في تلك السنة.
وأما أبو مسلم فقد تعاظم سلطانه بعد القضاء على فتنة عبد الله، وبينما هو في طريقه إلى خراسان
2
حيث كان أميرا أخذت عيون المنصور تكتب إليه عن تعاظم أبي مسلم وغروره بنفسه، وعزمه على الخلاف والاستهانة بأوامر أمير المؤمنين والسخرية بكتبه، وقد أراد المنصور أن يتحقق ذلك بنفسه، فبعث إليه أحد أخصائه الموثوق بهم ليحصي عليه الغنائم، فغضب أبو مسلم، وقال للرسول: «أؤتمن على الدماء ولا أؤتمن على الأموال؟» وتهجم على الخليفة وأراد أن يقتل الرسول لولا أن بعض أصحابه منعه من ذلك، فلما بلغت هذه الأمور إلى المنصور كتب إليه وهو في الطريق قبل أن يصل إلى خراسان: «إنا قد وليناك الشام ومصر، فهي خير لك من خراسان، فوجه إلى مصر من أحببت وأقم بالشام، فتكون بقرب أمير المؤمنين.» فغضب أبو مسلم وقال: «هو يوليني الشام ومصر، وخراسان لي؟» وظل في طريقه إلى خراسان غير آبه بكتاب الخليفة ولا بأمره، ورأى المنصور أنه لم يبق إلا استعمال الدهاء للإيقاع به فتوجه إلى المدائن، وكتب إلى أبي مسلم أن يصير إليه، فكتب إليه أبو مسلم يقول: «إنه لم يبق لأمير المؤمنين، أكرمه الله، عدوا إلا أمكنه الله منه، وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان أن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء، فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء لك بعهدك ما وفيت، حريون بالسمع والطاعة غير أنها من بعيد؛ حيث تقاربها السلامة، فإن أرضاك ذلك كنا كأحسن عبيدك وإن أبيت إلا أن تعطي نفسك إرادتها نقضت ما أبرمت من عهدك ضنا بنفسي.» فلما قرأه المنصور استشاط غضبا وكتب إليه: «قد فهمت كتابك، وليست صفتك صفة هؤلاء الوزراء الغششة ملوكهم، الذين يتمنون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم، فإنما راحتهم في انتثار نظار الجماعة، فلم سويت نفسك بهم؟ فأنت في طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر على ما أنت به، وليس مع الشريطة التي أوجبت منك سماع ولا طاعة، وحمل إليك أمير المؤمنين عيسى بن موسى رسالته لتسكن إليها إن أصغيت إليها، وأسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزغاته وبينك، فإنه لم يجد بابا يفسد به نيتك أقرب وأوكد من طبه من الباب الذي فتحه عليك.»
وقد أرسل كتابه هذا مع عيسى بن موسى وبعث جرير بن يزيد البجلي، وأمره أن يكلم أبا مسلم بألين كلام وأن يمنيه، فإن أبى فليهدده، فلما وصل عيسى إليه أخذ الرسالة وقرأها واستشار خاصته فنهوه عن السفر إلى المنصور، فقال لجرير: ارجع إلى صاحبك فلن آتيه، فقال له جرير: إن أمير المؤمنين أمرني أن أبلغك أنه يقول لك: لست للعباس وأنا بريء من محمد إن مضيت مشاقا ولم تأتني إن وكلت أمرك لأحد سواي، وإن لم أل طلبك وقتالك بنفسي، ولو خضت البحر لخضته، ولو اقتحمت النار لاقتحمتها وراءك حتى أقتلك أو أموت قبل ذلك، فلما سمع أبو مسلم هذا الكلام اضطرب، وكان أبو جعفر قد كتب إلى خليفة أبي مسلم على خراسان وهو أبو داود يوليه إياها طول عمره على أن يقطع صلته بأبي مسلم، فكتب أبو داود إلى أبي مسلم يقول: «إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله وأهل بيت نبيه، فلا تخالفن إمامك ولا ترجعن إلا بإذنه.»
3
فلما أدرك أبو مسلم أنه مغلوب على أمره قصد المدائن حيث أبو جعفر، ولما علم المنصور بتوجهه بعث إليه وجوه بني هاشم وكبار القادة يتلقونه لئلا يجفل، فلما دخل عليه أبو مسلم وسلم عليه فرد عليه السلام ورحب به وأوصاه بأن يستريح يومه فإنه متعب، فلما كان من الغد أمر عثمان بن نهيك رئيس الشرطة أن يجيء بأربعة من رجاله ويخبئهم وراء السرادق، ثم استدعاه وأخذ يسأله عن أشياء
4
إلى أن يبلغ بهما الحديث إلى سبب قصده خراسان مراغما، فقال أبو مسلم: دع هذا فما أصبحت أخاف أحدا إلا الله، فلما سمع المنصور كلماته هذه صفق عندئذ فخرج الشرطة فقتلوه، ثم إن المنصور أراد أن يسكن جند أبي مسلم، فوزع عليهم الهدايا والأموال والجوائز، فسكنوا إليها وألهتهم الهدايا عن التفكير في مقتل صاحبهم، ووقف أبو جعفر فخطبهم قائلا:
أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تستروا غش الأئمة، فإن من غش إمامه أظهر الله عز وجل سريرته في فلتات لسانه وسقطات لسانه، وأبداها الله لإمامه الذي بادر بإعزاز دينه به وإعلاء حقه بفلجه، إنا لم نبخسكم حقوقكم ولم نبخس الدين حقه عليكم، إنه من نازعنا عروة هذا القميص أوطأناه ما في هذا الغمد، وإن أبا مسلم بايعناه وبايع لنا على أنه من نكث بيعتنا أباح لنا دمه، ثم نكث هو بنا فحكمنا عليه لأنفسنا حكمه على غيره لنا، ولم تمنعنا رعاية الحق له من إقامة الحق عليه ...
ناپیژندل شوی مخ