د زوال دور: د عربي امت تاریخ (درېیمه برخه)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
ژانرونه
وثالثتها:
سلطة المماليك الذين استبقاهم السلطان سليم من بقايا المماليك السابقين حفظا للتوازن بين الباشا والوجاقات، وقد قسم السلطان سليم الديار المصرية إلى اثنتي عشر «سنجقلية »، يحكم كل واحدة منها سنجق من المماليك يسميه الديوان - أي مجلس شورى الباشا التركي.
وقد نتج عن هذا التقسيم الإداري الجديد أن اضطربت البلاد وقاست ويلات، ولكن الباب العالي أصر على تنفيذه فنفذ، وبذلك استطاع الأتراك السيطرة على البلاد وحكمها حكما مباشرا.
أما أرباب الإقطاعات القديمة: فقد ظلوا في الشام ومصر بعد الفتح العثماني على الحالة التي كانوا عليها من قبل في أيام المماليك، وقد ظهرت في أيام الأتراك العثمانيين في كلا القطرين أسر حكمت بعض المقاطعات حكما استقلاليا، مثل أسرة «الشهابي» و«المعني» و«الحرفوش» وغيرهم، وكان زعماء هذه الأسر يجمعون الأموال من الأهلين، ويقدمون بعضها إلى الوالي التركي، وبعضها إلى الباب العالي، ويحتفظون لأنفسهم بحصة الأسد، وكثيرا ما كان يغضب الوالي التركي على أحد أصحاب الإقطاعات فيبعث إلى فرقة من «الانكشارية» أو الأجناد «القبوقول» فيحرقون داره، ويسبون أهله، ويقطعون الشجر في بلاده حتى يخضع للوالي.
ومما هو جدير بالذكر في العهد العثماني أن كثيرا من الولاة والحكام كانوا يشترون مناصبهم بالمال، وربما نالوها بالمزايدة، وينقل الأستاذ كرد علي عن تقرير لأحد القناصل البندقيين أن منصب الوالي كان في الأستانة يكلف من «80 إلى 100» ألف دوكا، ومنصب الدفتردار كان يباع ب «40 أو 50» ألف دوكا، ومنصب القاضي كان يساوي أقل من هذه القيم، وكلهم إذا جاءوا البلد الذي عينوا له كانوا يسلبون النعمة ويعرقون اللحم، ويكسرون العظم،
7
وكان من الطبيعي أن هذا الوالي أو الدفتردار أو القاضي الذي وصل إلى منصبه بالمزايدة أو الشراء، يعمل على استرداد مبلغه من الأهلين، ويهلك حرثهم ونسلهم، ويسلب قوتهم، وقد ساعد هؤلاء الموظفين المرتشين بعدهم عن دار السلطنة - إستانبول - من جهة، وتعامي السلطان وأهل الحل والعقد في العاصمة عن سماع أصوات المتظلمين من جهة ثانية، قال المرحوم كرد علي نقلا عن المؤرخ التركي جودت: إن الدولة العلية لما انتقلت من دور البداوة إلى الحضارة لم يتخذ رجالها الأسباب اللازمة لهذا الانتقال، وحصروا أوقاتهم في حظوظ أنفسهم وشهواتهم، يقيمون في العاصمة القصور الفخمة، ويفرشونها بأنواع الأثاث والرياش مما لا يتناسب مع رواتبهم، فاضطروا إلى الارتشاء وبيع المناصب بالمال وتلزيم البلاد وأقطاعها بالأثمان الفاحشة، فضاق ذرع الأهلين، واضطر كثير من أهل الذمة أن يهجروا الأرض العثمانية إلى البلاد الخارجية، وترك غيرهم القرى وجاء إلى الأستانة فرارا من الظلم، فلم يبق مكان في الأستانة، وتلاصقت الدور وتضايقت أنفاس الناس وكثر الحريق والأوبئة،
8
وإذا كانت هذه حال الدولة وهي في أوج عزها، فإنها حين ضعفت في القرن الثاني عشر أضحت بحالة يرثى لها من الانحدار الخلقي والإداري، على الرغم من اتساع رقعة بلادها من ڤيننا إلى أقصى بلاد العرب، ومن إيران إلى المغرب الأقصى، وماذا تعني سعة الرقعة والبلاد يعمها الجهل، وينتشر فيها المرض، وتفتك بها الثورات الداخلية، والولاة تسلب الحكام، والحكام تسلب الأهالي، والجند يعيثون في الأرض فسادا على اختلاف طبقاتهم وأنواع وجاقاتهم من قبوقولية، وانكشارية، ولاوند، وسكبان، وغير ذلك من الفرق والطبقات التي كانت كل واحدة منها حربا على أختها من جهة، وحربا على الأهلين من جهة ثانية.
أما جباية الأموال فكانت على غير قاعدة، ولا في سبيل الفائدة العامة، وكان هم الولاة والقضاة وسائر الحكام أن يجمعوا الضرائب والفرائض من الأهلين على اختلاف طبقاتهم بالقوة، وإذا ما رفع أحدهم صوته أو اشتكى خنقوه أو قتلوه أو نفوه أو صادروه، والويل كل الويل لمن يجرؤ على العصيان، ومخالفة أمر أولي الطاعة والسلطان، فإنهم حاكمون بأمرهم وبأمر السلطان ظل الله على الأرض، وصاحب الكلمة المطلقة، الذي لا يسأل عما يفعل، وله وحده الطول والحول والقوة.
ناپیژندل شوی مخ