عصر انبثاق: د عربي ملت تاریخ (لومړی برخه)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
ژانرونه
تفوقهم اللغوي: إن من يدرس اللغة العربية بنحوها وصرفها واشتقاقها وعروضها وفنونها البلاغية يرى أن القوم قد بلغوا درجة رفيعة في الرقي والمستوى اللغوي.
اللغة العربية هي إحدى اللغات المعروفة باللغات السامية، وهي: الآشورية، والبابلية، والكنعانية، والفينيقية، والسريانية، والآرامية، والعبرية، والحميرية، والحبشية - وعلى الرغم من كون هذه اللغات توالدت من أم واحدة في عصور متباعدة - أقدمها الآشورية والبابلية التي ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وأحدثها العربية التي ترجع إلى ما قبل القرن الثالث بعد الميلاد، فإنها تختلف اختلافا كبيرا فيما بينها، كما أنها تختلف فصاحة ورقا، ويظهر أن أرقى اللغات السامية وأفصحها وأوسعها هي اللغة العربية، وأن أقدم النصوص العربية الفصيحة التي عثر عليها ترجع إلى الفترة التي تمتد من القرن الثالث بعد الميلاد إلى القرن الخامس، وهذه النصوص هي الشعر الجاهلي والحكم الجاهلية، ولكن من يدقق في هذه النصوص يجدها كاملة مهذبة ذات نمو متسق وصرف منظم وقواعد عروضية وشعرية راقية، ولا شك في أن اللغة العربية قد مرت بأطوار بعيدة العهد تطورت فيها، وتدرجت إلى هذا الكمال الذي وجدناه في الشعر الجاهلي، ثم في القرآن، ومما يؤيد هذا أن المستندات الكتابية الحجرية التي عثر عليها الأستاذ ليتمان
Littmann - في جبل الصفا بحوران - والبرفسور وتسيتين
Wetzstein
قنصل ألمانيا في أواسط القرن الماضي بالشام،
47
وهي نصوص تتعلق بتاريخ تلك البقعة وسكانها وأنسابهم وقبائلهم وعقائدهم، وهي مكتوبة بلغة عربية قريبة جدا من الفصحى ومسطرة بحروف الخط الصفوي المشتق من الخط السيئي في القرن الثاني والثالث بعد الميلاد، والذين كتبوا هم قوم من القبائل العربية من إخوان الغساسنة، وأكثرها يتعلق بأنسابهم وأعمالهم المجيدة وحياتهم وطريق رعيهم للإبل والماشية، وحروبهم مع الرومان والفرس، كما أنها تضمنت كثيرا من عقائدهم الدينية وآرائهم في الآلهة والملائكة والجن وما إلى ذلك، ولغة هذه النصوص عربية تشبه لغة الشعر الجاهلي مع وجود بعض الاختلافات النحوية التي تجمع بينها وبين اللغات السامية الأخرى،
48
ويظهر أن هذه النصوص هي صورة لما كانت عليه اللغة العربية في هذه العصور، وأنها ما زالت تتطور وتترقى حتى بلغت تمامها في الشعر الجاهلي أيام امرئ القيس ومن بعده، وهذا طبيعي فإن اللغة كسائر الكائنات الحية تمر بأدوار كثيرة، ويدخلها كثير من أحوال الحياة من نشوء ونمو وارتقاء وتفرع وانقسام، وإن أرقى عصور اللغة العربية كان في القرن السادس وفي الحجاز، فقد ارتقت فيه اللغة، وزادت المفردات، واتسعت أخيلتها، ودخلها كثير من الألفاظ الأجنبية مما اقتضته الحضارة العالمية والتقدم ونظام النشوء على النمط الذي نراه في شعر المعلقات وغيرها من عيون الشعر الجاهلي الإسلامي.
ولما ظهر الإسلام اتسعت اللغة العربية لتعاليمه وسعة مصطلحاته ومعانيه، وقد كانت هذه اللغة متحضرة في جزيرة العرب وجزيرة سيناء وديار الشام وبادية الجزيرة وما بين النهرين، وقد كان لسكان هذه الديار الواسعة لهجات ولهيجات تختلف قربا وبعدا عن اللغة الأم الفصيحة؛ فلهجات أواسط الجزيرة كانت أفصح اللهجات لبعدها عن الأعاجم من فرس وأحباش وروم وقبط ونبط، ويليها في الفصاحة لهجات عرب مشارف الشام، قال الأستاذ جرجي زيدان: «أكثر سكان أواسط جزيرة العرب من قبائل مضر، وكانت أعظمها يومئذ «تميم» في شرقي نجد وشمالها، و «غطفان» عبس وذبيان، و«سليم» وغيرهما في نجد، وأرقاها قريش في مكة، وكان من القبائل القحطانية هناك طي في نجد، ومذحج في أطراف الحجاز، وأكثر سكانها في الشمال من ربيعة، وفيهم «بكر» و«تغلب» في بادية العراق في الجزيرة، فلغات هذه القبائل كانت تختلف بعضها عن بعض باختلاف أحوالها ومساكنها، وكان الاختلاف على معظمه بين لغات اليمن ولغات الحجاز ونجد؛ أي بين جنوب الجزيرة وشمالها، وأحسن مثال للغات الجنوبية ما خلفه الحميريون من الآثار بالحرف المسند، وأحسن مثال للغة الحجاز لغة القرآن وشعر الجاهلية، والفرق بين اللغتين كبير.»
ناپیژندل شوی مخ