تاریخ ترجمه
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
ژانرونه
أما الكتاب الأول فقد ألف وترجم لغرض نبيل هو تعليم الشعب المبادئ والتعاليم الصحية ونشرها بين أفراده بأسلوب سهل قريب إلى فهم العامة، وقد وضع هذا الكتاب وترجم لتحقيق هذا الغرض بإشارة ولي الأمر والنعم محمد علي باشا؛ فهو في الواقع نفحة من نفحات تفكيره الفذ، وحسن رعايته لشعبه وحبه لخدمته، جاء في مقدمة هذا الكتاب لكلوت بك: «اعلم أن الطب قد فقد من الديار المصرية بعد وجدانه، وادعى معرفته أناس به جاهلون فظلوا في طغيانهم يعمهون، فكم أسقموا صحيحا؟ وأماتوا عليلا، ومكثوا على ذلك زمنا طويلا، حتى أراد الله إحياء عظمة الرميم، وانتشار فضله العظيم، بولاية صاحب السعادات، أفندينا الحاج محمد علي، أدام الله أمثاله، فأنشأ في مصر جملة مدارس، وأحيا من العلم كل رسم دارس، وكان من أعظمها مدرسة الطب الإنساني التي أسسها حين تشرفت بخدمته، وعلمت فيها جملة أطباء لخدمة عساكره، وأرباب دولته، وألف معلموها في الطب وفنونه كتبا جليلة، وانتفع بها مطالعوها انتفاعات جميلة، ولكن حيث إن مسائلها العلمية عثرة المنال على غير الأطبا، لا يفهمها إلا المهرة الألبا، جمعت هذا الكتاب من مشاهير الكتب الطبية، وتساهلت في ألفاظه ما أمكن ليستفيد منه أهل اللغة العامية، وطالما كان كلام صاحب السعادة يومئ إلى ذلك ويشير، ويرمز بطرف خفي فهمه عسير، فلما تكرر منه ذلك فهمت الإشارة، وبادرت بتحريره ... إلخ.»
30
وجاء في مقدمة هذا الكتاب أيضا لمحرر الكتاب ومصححه الشيخ محمد عمر التونسي ما يلي: ... وبعد فيقول راجي رحمة المنان، محمد التونسي بن سليمان، محرر كتب الطب البشري الآن: لما كانت صحة الأبدان، من أجل ما أنعم به الجواد على العباد، وبدونها تتعطل الأسباب، وعبادة العباد ويبقى الجسم عليلا نحيلا، ويحق لفاقدها أن يكثر بكاء وعويلا؛ إذ لولاها لما اصطدمت الجحافل،
31
ولا قرئت العلوم في المحافل، كان الواجب مراعاتها بقدر الإمكان ... ومرام صاحب السعادة أن يكونوا (أي المصريين) بصحتهم متمتعين، ولجلباب العافية لابسين؛ فلذا أحيي الطب بعد اندراسه، واضمحلال أهله وناسه بجلب كل طبيب نطاسي وحاذق في الطب آسي، وكان أجل من حضر لخدمة سدته الشريفة، وأريكته المنيفة، أبقراط زمانه، وأفلاطون أقرانه، أمهر من قال أنا طبيب، من يكاد الداء إذا رآه بدون معالجة يطيب، حضرة رئيس الأطباء وكشاف عموم الصحة البرية والبحرية أمير اللواء كلوت بك؛ فبذل المجهود في خدمة سعادته بتعليم التلامذة ومداواة المرضى وعمارة المارستان، وألف هذا الكتاب خدمة لصاحب السعادة، والعزة والسيادة، وجعله هدية للعوام ومنحة؛ لأنه جامع لما يحتاج إليه من الوسائط لحفظ الصحة، ولما برز للعيان وسلمه أمير اللواء المذكور إلى حضرة الألمعي اللوذعي الحاذق النجيب، والماهر الحكيم الكيماوي الطبيب، العارف بكثير من اللغات، المنتخب لأكثر ألفاظ الطب من كلام الثقات، ناظر مدرسة الطب الإنساني، الذي لا يوجد في مصرنا له ثاني، المعلم برون، لتمكنه من العربية والفنون الأدبية، وأمره بتهذيبه وتنقيحه، كما أمرني بمقابلته معه وتصحيحه، وأن أجتنب فيه التعمق في الألفاظ اللغوية، ولا أذكر فيه إلا ما اشتهر من الألفاظ وإن كانت عامية، ليعم نفعه العالم والجاهل، والمفضول والفاضل ... إلخ.
32
والكتاب يقع في نحو 400 صفحة، وذكر في أوله فصل موجز في 16 صفحة عن المارستانات في مصر في العصر الإسلامي منقول عن خطط المقريزي، كما استغرق فهرس الكتاب 28 صفحة أخرى.
وقد طبع من هذا الكتاب 1000 نسخة في الطبعة الأولى، ويبدو أن الإقبال كان عليها شديدا، وأنها نفدت في مدى خمس سنوات؛ فقد طبع هذا الكتاب مرة ثانية في بولاق سنة 1265، وهي ثاني سنة تولى فيها عباس الأول حكم مصر، ثم طبعت منه خمسمائة نسخة طبعة ثالثة في بولاق سنة 1271 في عهد سعيد باشا، وجاء في مقدمة هذه الطبعة مما يدل على رواج هذا الكتاب، وكثرة إقبال الناس على شرائه واقتنائه ما يلي: ... هذا ولما تم طبع هذا الكتاب، وظهر للناظرين ما فيه من الصواب، وأنه سهل المأخذ للفوائد الطبية، عري عن التعمية الصناعية، موشح بالأحاديث النبوية، متوج بالآيات القرآنية، تنافس الناس في اقتنائه، ورغب العقلاء في اشترائه، فمدوا إليه أعناق الانتهاب، وجعلوا قنيته من أقوى الأسباب، وجاءوه من الشرق والغرب، وضربوا في الأرض بسببه أي ضرب، فكأن ما حواه هو العجب، وكأن أساليبه ليس لها ضريب في الضرب، فنعق على صرح نسخه غراب البين، فبذل الراغبون فيه العين، حتى صار أثرا بعد عين، ثم كثر السؤال عليه، وطلبوه من كل أوب وجاءوا إليه ، فأكثرهم أخفق مسعاه، ورجع بخفي حنين إلى مأواه، وبعضهم ظفر ببعض نسخ أخرجها الإفلاس، فاشتروه بضعف ما كانت تأخذه به الناس، ثم فقد شخصه وتعذر إليه الوصول، حتى كأنه العنقاء أو الغول، ومكث الأمر على ذلك مدة من السنين، ولم تزل الناس على طلبه ملحين، فصدر الأمر بأن يطبع منه خمسين ...
33
ثم طبع طبعة رابعة في عصر إسماعيل في بولاق سنة 1296، وقال مصححه محمد بن قاسم في مقدمة هذه الطبعة: «وبعد، تم بعون سيد كل منحة طبع هذا الكتاب الموسوم بكنوز الصحة بعدما طبع مرات كثيرة، لمنافعه الجمة العامرة الغزيرة ... إلخ.»
ناپیژندل شوی مخ