تاریخ ترجمه
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
ژانرونه
بدأ محمد علي في مصر عهدا جديدا؛ فقد كانت العلاقات بينه وبين السلطان غير مستقرة، وكان الجيش الذي وجده في مصر - إن صح أن يسمى جيشا - خليطا عجيبا من شرازم مملوكية، وفرق ألبانية، وشركسية، إلخ ... إلخ، وكانت له أطماع سياسية تتجه إلى إحياء العالم العثماني، وكان يرى أن هذا الإحياء لا يمكن أن يتم إلا إذا اتخذ لنفسه جيشا وأسطولا عظيمين قويين ينهج في تكوينهما نهج دول أوروبا في تكوين جيوشها وأساطيلها.
ورأى محمد علي بعد هذا أن السياسة الاقتصادية في مصر سياسة خربة يعوزها الإصلاح الشامل في شتى نواحيها، وكان مذهبه في الإصلاح - مصيبا في ذلك أم مخطئا - أن تضع الحكومة يدها على فروع الإنتاج الاقتصادي المختلفة، من زراعة وتجارة وصناعة، لتتمكن من إدخال الإصلاح الذي تريد.
وكان محمد علي أخيرا في حاجة إلى موظفين إداريين حازمين يفهمون عنه رغبته في الإصلاح، ويقدرون حالة البلد، وحاجتها، ويلمون إلماما تاما بنواحي الإصلاح الغربي المراد اقتباسه.
وكانت مصر خلوا من هذا الصنف من الرجال، فاتجه محمد علي أول الأمر إلى استخدام الأجانب، ولكنه كان يدرك منذ اللحظة الأولى «أن الإكثار من الأجانب في خدمة الحكومة ليس من الصواب في شيء، فكثير منهم - على كفايتهم في النظم الحربية والاقتصادية كما عرفتها بلادهم في ذلك الوقت - يجهلون أغراض الحكومة، وقد يعرقلون أعمالها، عن قصد أو غير قصد، وقد يجهلون أيضا ما تحتاجه بلاد ناشئة كمصر من تلك النظم الحربية والاقتصادية، وقد يرجع هذا إلى جهلهم بلغة البلاد، وعادات أهلها، وطباعهم، وكان محمد علي لا يثق في كثير منهم، ويرى أنهم إنما يعملون لمصلحتهم الذاتية قبل أن يعملوا لمصلحة الدولة التي تنفق عليهم، وأنهم يروج بعضهم لبعض.
هذا إلى النفقات الطائلة التي تنفق عليهم؛ فهم يتقاضون مرتبات باهظة، وكثير منهم يجهلون اللغة العربية، فيعين لهم مترجمون ليكونوا عونا لهم في عملهم، وفي الصلة بينهم وبين الحكومة».
8
هذه هي الأسباب التي كانت تعدل بمحمد علي عن الاعتماد على الأجانب أو الإكثار منهم في وظائف الحكومة، وتدفعه إلى التفكير الجدي السريع في إيجاد حل للإقلال منهم ، ثم لإحلال المصريين محلهم، ويضاف إلى الأسباب السابقة ما كان يمتاز به كثيرون من هؤلاء من جهل وادعاء واستغلال، يؤيد دعوانا هذه ما يقوله «إدوار جوان» عن الأطباء المرافقين للحملة المصرية على السودان، قال: «كان يوجد لفيف من أفاقي اليونان والطليان يرافقون الجيش في تنقلاته من مكان إلى مكان منتحلين العلم بالطب، والحقيقة أنهم كانوا لا يدرون من بسائطه شيئا، وإنما كانوا من النصابين البارعين في الشعوذة، ولقد كان ستة من أولئك الأطباء المزعومين في مقدمة الذين لقوا حتفهم بتلك الأمراض المهلكة، فكان موتهم بها دليلا على عجزهم وجهلهم، وشعوذتهم»،
9
وذكر أيضا «مسيو هامون» ناظر مدرسة الطب البيطري في مصر في عهد محمد علي عند كلامه عن الأطباء والصيادلة الأجانب الذين ألحقوا بالإدارة الصحية أول إنشائها، أن ثلثيهم كانوا لا يحملون دبلومات أو مؤهلات عملية طبية، بل إن منهم من كان ممرضا أو مدير مكتب تلغرافي أو صانع أحذية أو ندلا في مقهى بالقاهرة، ثم قال: «إن أي أجنبي كان ينزل بأرض مصر وليس له مهنة يمتهنها كان يعين صيدليا أو طبيبا.»
10
ناپیژندل شوی مخ