تاريخ تمدن اسلامي
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
ژانرونه
ويؤيد ذلك رغبة الخليفة عمر في بقاء المواصلة بين مركز الخلافة في المدينة وبين سائر أطراف المملكة الإسلامية بحيث لا يكون بينه وبين سائر المسلمين ماء، فقد كتب إلى قواده في الأطراف بعد فتح فارس ومصر - وكان سعد بن أبي وقاص مقيما في مدائن كسرى وعمرو بن العاص في الإسكندرية - «لا تجعلوا بيني وبينكم ماء متى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت» فتحول سعد إلى الكوفة وتحول عمرو إلى الفسطاط، فأقاما بجندهما في مضارب الخيام، ثم صارت تلك المضارب مدنا بعد ذلك. (2-8) واقعة اليرموك وواقعة القادسية
تلك كانت القاعدة في حروب العرب بالشام والعراق، ثم جرت واقعة اليرموك الشهيرة (13 رجب 15ه/20 أغسطس 636م) التي بدأت في حياة أبي بكر، واليرموك واد بناحية الشام بجوار بصرى يسيل فيه الماء حتى يصب قرب بحيرة طبرية واسمه اليوناني
Hieromax
1
عربه العرب «يرموك»، وعلى ضفاف ذلك الماء حصلت تلك الواقعة الهائلة وهي ذات شأن عظيم في فتوح الشام، لأن فوز المسلمين فيها نشطهم على مواصلة الفتح وأضعف عزائم الروم.
وإذا تأملت في تفاصيلها رأيت سبب الفوز فيها سداد رأي عمرو بن العاص وشجاعة خالد بن الوليد، وذلك أن الروم لما رأوا ما كان من مناوأة العرب لهم في ضواحي الشام ومطاولتهم، جمعوا قواتهم وعزموا على الفتك بهم دفعة واحدة، وكان المسلمون متفرقين في ضواحي الشام والعراق، فتكاتبوا بشأن ذلك فقال عمرو بن العاص «إن الرأي عندي لمثلنا الاجتماع، فإننا إذا اجتمعنا لا نغلب من قلة وإن تفرقنا لا تقوم كل فرقة بمن استقبلها، لكثرة عدونا» فكتبوا إلى أبي بكر بذلك فأجاب مثل جواب عمرو، فاجتمع جند المسلمين من العراق والشام فلاقاهم الروم في اليرموك، وعددهم على قول ابن الأثير 240 ألفا والمسلمون 50 ألفا بقيادة خالد بن الوليد، فخطب خالد فيهم خطابا حرضهم فيه على الثبات وجعل الجند كراديس على كل كردوس قائد، ولم تكن الحرب بالكراديس معروفة عند العرب كما سترى، والظاهر أن خالدا عبأ الجند تلك التعبئة، لمقاومة الروم بمثل نظامهم.
وشعر خالد بتهيب المسلمين وخوفهم من كثرة الروم، وسمع أحدهم يقول «ما أكثر الروم وأقل المسلمين!» فقال له «ما أقل الروم وأكثر المسلمين! إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان»، وبينما هم في القتال جاءهم الخبر بموت أبي بكر، فكتموه وصبروا صبر الرجال، لعلمهم أن الفشل في تلك الواقعة يذهب بكل أعمالهم، فقاتلوا قتالا شديدا حتى إن النساء كن يقاتلن بالعصي، فانتصر المسلمون، وكان هذا النصر مقدمة سائر ما نالوه في الشام. وكذلك واقعة القادسية في العراق، فقد كانت فاتحة نصرهم على الفرس، وقد صبروا في هذه الواقعة صبرا جميلا وطال أمرها كثيرا. (2-9) نقمة الرعايا على حكامهم
قد علمت ما كان من انقسام الروم والفرس فيما بينهم، وانحطاط الحالة الاجتماعية في بلادهم، فضلا عما كان من الشحناء بين الرعية أهل البلاد الأصليين وحكامهم، وخصوصا في مصر والشام، فإن المصريين الأصليين وهم الأقباط كانوا قد عانوا سلطة الأجانب أجيالا متطاولة (الفرس فاليونان فالرومان) وهان عليهم الانتقال من سلطان إلى سلطان، فرارا من الظلم أو الضغط، وكذلك أهل الشام، وهم أخلاط الآراميين والسريان والأنباط واليهود وغيرهم، وكان حظهم من ذلك مثل حظ جيرانهم المصريين وقد يئسوا من الاستقلال مثلهم، فلا يهمهم إذا كان حاكمهم روميا أو عربيا وإنما يهمهم أن يكون لهم راحة تحت سلطانه، وربما فضلوا العرب، لأنهم أقرب إليهم لغة ونسبا وأخلاقا، وزد على ذلك أن المرء من طبعه يرجو النفع من البعيد أكثر من القريب، ويتوسم الخير في القادم المجهول أكثر مما يتوسمه في الحاصل المعلوم، وعلى الخصوص إذا كان الفرق بينهما ظاهرا مثل ظهوره بين الروم والعرب، فالروم كانوا يومئذ في دور انحطاطهم وقد فسدت أحكامهم وآدابهم، والعرب في دور نموهم وفي إبان نهضتهم وقد جعلوا العدل والمساواة وجهتهم، فضلا عما كان بين أهل هذين القطرين وبين حكامهم الروم من الانقسامات الدينية التي قدمناها، حتى هان عليهم الرضوخ لأية دولة كانت، ولم يروا بأسا في أن يكونوا عونا لها على حكامهم. (2-10) اليهود
كان الروم مع انقسامهم إلى طوائف وأحزاب قد أجمعوا على اضطهاد اليهود - كما تقدم - ولما جاء المسلمون لفتح الشام كانت البغضاء قد بلغت أقصاها حتى هان على اليهود أن يخسروا أموالهم - مع رغبتهم في الأموال - في سبيل الانتقام من الروم، وفي الواقع أنهم كثيرا ما كانوا عونا للعرب عليهم وكانوا يدلونهم على عورات المدن ويدخلونهم إليها، كذلك فعلوا بقيسارية بعد أن حاصرها المسلمون سبع سنين ولم يقووا عليها، لقوة جندها، ومناعة حصونها، فكان يحرس أسوارها كل ليلة مائة ألف جندي، وكان قائد المسلمين هناك يومئذ معاوية بن أبي سفيان، فجاء يهودي من أهلها اسمه يوسف دلهم على طريق في سرب فيه ماء إلى حقو الرجل على شرط أن يؤمنوه وأهله، فدخل المسلمون المدينة وفتحوها.
وقس على ذلك مدنا أخرى سلمها اليهود نكاية في الروم حكامهم، وخصوصا في الأندلس للأسباب التي قدمناها. (2-11) عدل المسلمين ورفقهم وزهدهم
ناپیژندل شوی مخ