تاريخ تمدن اسلامي
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
ژانرونه
حمورابي ملك بابل واقفا بين يدي إله الشمس.
فالتمدن الإسلامي ليس أول عهد العرب بالحضارة فقد كان المعينيون والسبئيون والحميريون واسطة عقد التجارة بين الشرق والغرب، لتوسط بلاد اليمن بين الممالك المتمدنة في ذلك الحين فكانت تجارات الهند تحمل في البحر الهندي إلى بلاد اليمن وحضرموت، فيحملها أهل اليمن إلى الحبشة ومصر وفينيقية وبلاد الأدوميين والعمالقة وبلاد مدين وبلاد المغرب، وكذلك كان الإسماعيليون ينقلون التجارة من اليمن ومواني بحر العرب إلى بلاد الشام.
زينوبيا (الزباء) ملكة تدمر.
وساعد العرب على التوسع في وسائل التجارة - فضلا عن توسط بلادهم - أنهم كانوا يتكلمون لغة قريبة من لغات أكثر الأمم المتمدنة في ذلك الحين، لأن اللغات السامية كانت يومئذ لا تزال متقاربة لفظا ومعنى، فالعربي والكلداني والأشوري والعبراني والحبشي والفينيقي كانوا يتفاهمون بلا واسطة، لقرب عهد تلك اللغات بالتشعب بما يشبه حال اللغات العامية العربية المتشعبة من اللغة الفصحى الآن، فكان العربي من حمير أو مضر إذا جاء العراق لا يحتاج في مخاطبة الكلداني أو الأشوري إلى ترجمان، وكذلك إذا يمم فينيقية أو الحبشة فإنه يفهم لسان أهلهما كما يفهم الشامي لسان أهل مصر اليوم، ويؤيد ذلك ما جاء في التوراة عن إبراهيم الخليل فإنه نزح من بلاد الكلدان في نحو القرن العشرين قبل الميلاد واجتاز سوريا وفينيقية وبلاد العرب وخالط أهلها ولم يفتقر في مخاطبتهم إلى مترجم، وكذلك بنو إسرائيل في تيههم حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد، فإنهم قضوا أربعين سنة في أعالي جزيرة العرب ولم يحتاجوا إلى مترجم بينهم وبين أهلها.
والمسافر في بلاد العرب اليوم يجد أكثرها رمالا قاحلة، لكنه لو نقب تحت تلك الرمال في بعض المواضع، لوقف على آثار القصور وغيرها من بقايا المدنية، روى مؤرخو العرب البائدة عما خلفه العاديون من الأبنية الفخمة هناك ما نعده من الخرافات، لخروجه عن المألوف عندنا، مثل حديثهم عن مدينة إرم ذات العماد التي زعموا «أن شداد بن عاد بناها في الأحقاف في بقعة مساحتها عشرة فراسخ في عشرة، فجعل جدرانها من الجزء اليماني وغشاها بصفائح الفضة المموهة بالذهب، وبنى داخل المدينة مائة ألف قصر على عمد من الزبرجد واليواقيت، طول كل عمود مائة ذراع، وأجرى في وسطها أنهارا وعمل فيها جداول إلى تلك القصور، وجعل حصاها من الذهب والجواهر واليواقيت، إلى غير ذلك مما يفوق طور الإمكان، لكنه يشف عن حقيقة مهما قيل في تحقيرها، فإنها تدل على أن بعض أبنية العرب البائدة كانت مرصعة في بعض جدرانها أو أساطينها بالحجارة الكريمة، وهذا غاية ما يمكن أن يصل إليه البذخ والترف، ولا يكون ذلك إلا في إبان المدنية. (1-2) عرب اليمن
أما عرب اليمن القحطانية، فقد تمدنوا تمدنا لا تزال آثاره مطمورة تحت الرمال في حضرموت ومهرة واليمن، وأشهر دولهم عند العرب حمير وسبأ وكهلان، وتاريخ هذه الدول أقرب عهدا من عاد وثمود، وقد اكتشف البحاثون بعض آثارهم، وأكثر ما اكتشفوه أنقاض بعض الأبنية في صنعاء وعدن وحضرموت، فاستخرجوا منها ألواحا مكتوبة بالقلم الحميري «المسند» أكثرها دعاء ديني أو نحوه، ولم يتمكنوا من التنقيب عن الدفائن المهمة في داخلية البلاد لمشقة الوصول إليها، ناهيك بما ذكره مؤرخو العرب عن أبهة تلك الدول وكانت قد انحلت قبل الإسلام، لكن أخبارها كانت إلى ذلك العهد لا تزال مألوفة وفيها ما يدل على تمدن قديم لا يقل عن تمدن الأشوريين والمصريين والفينيقيين، فقد أنشأوا المدن وعمروا القصور وغرسوا الحدائق ونحتوا التماثيل وحفروا المناجم ونظموا الجند وفتحوا البلاد ووسعوا التجارة وأتقنوا الزراعة، وقد ذكرهم هيردوتس الرحالة اليوناني في القرن الخامس قبل الميلاد فقال «إن في جنوبي بلاد العرب وحدها البخور والمر والقرفة والدار صيني واللاذن» وعدها من أغنى ممالك العالم في زمانه.
الحروف الحميرية «المسند» وما يقابلها في العربية.
ومن آثار العرب في اليمن، ما لا يزال التاريخ يلهج بذكره ويعد من عجائب الأبنية، نعني بذلك السد المشهور بسد مأرب، بنوه نحو القرن الثاني قبل الميلاد كما بنى محمد علي «باشا» القناطر الخيرية في رأس الدلتا، وكما بنت الحكومة المصرية خزان أسوان.
سد مأرب
وسد مأرب هذا، عبارة عن حائط موصل بين جبلين يحجز الماء الذي يسيل بينهما، فيرتفع ويروي السفحين إلى أعلاهما، جعلوا فيه شعبا وأقنية وساقوا إليه سبعين واديا تصب مياهها فيه، فمثل هذا السد العظيم يحتاج إلى مهارة في الهندسة وهمة عالية، وهو أقدم خزان للماء ذكره التاريخ، وعرب اليمن أسبق الأمم إلى هذه الهندسة، وكان بناؤه متينا صبر على صدمات الماء وتأثيرات الهواء بضعة قرون، ولما ضعفت الدولة عن تجديده وأحسوا بقرب تهدمه أخذوا في المهاجرة من جواره، في أواسط القرن الثاني للميلاد، وتفرقوا في البلاد، والمشهور عند العرب أن الغساسنة في الشام، والمناذرة في العراق، والأوس في المدينة، والأزد في منى وخزاعة بجوار مكة منهم «أي من عرب الجنوب»، ثم انفجر السد وطغت المياه فهاجر من بقي، وذلك ما يعبرون عنه بسيل العرم.
ناپیژندل شوی مخ