واعلم أن مثل القضاء والأجل مقدر ومؤقت والرسول صلوات الله عليه يقول : (من تشبه بقوم فهو منهم) (2) وهذا يعنى أن مصاحبة الأخساء الوضعاء مثل الشخص الذى يأتى من الحمام ولباسه معطر وطاهر فيأتى ويخالط من يقوم بخصى الكلاب فعند ما يعود إلى منزله لن يجنى سوى تمزيق ثوبه وجرح جوارحه ، واعلم أن ذوى الأصل الحقير لن يصل إلى مكارم الأخلاق ولو بألف سلم ولن يجنى حتى قيام الساعة سوى الندامة كملتمس إطفاء نار بنافج.
إن السعى والجرى وخدمة الإنسان ، لن تضيف ذرة إلى قيمة الإنسان.
الحمد لله الذى عافانا من هذا ، سمعت هكذا أن الأصمعى بن عبد الملك بن قريب قال ذات يوم للشاعر العتابى الفضل بن الربيع : إنى أراك عند أمير المؤمنين بالملابس الخشنة لماذا لا ترتدى الملابس اللائقة؟ فقال : (أصلحك الله ليس المرء من ترفعه هيئة بماله وجماله وإنما ذلك حظ النساء ، لكن المرء من ترفعه صغرياه وكبرياه لسانه وقلبه وهمته ونفسه).
إن رفعة وعظمة المرء ليست بالمال والجمال وإنما ذلك شأن المرأة تظهر عظمتها بالزينة والملابس وهذا نصيبهم من الدنيا ، لكن عظمة وحشمة الرجال فى أمرين صغيرين وأمرين كبيرين ، هم اللسان والقلب والهمة والنفس والحب والأصل.
فكم من سيوف جفنهن ممزق
وكم من ثياب تحتهن تيوس
(3) ومعنى هذا البيت أن كثيرا من السيوف الهندية البتارة تعادل قيمتها الذهب ولا يقلل من شأنها أكان غمدها ممزقا ، لأن ذلك لا ينقص من قيمتها وقت الاستعمال ، وكم من قبعة وعباءة وعمامة وجبة تحتوى فى داخلها على نفس بعقل تيس لأن عملها ورؤيتها وقدرتها وقت التجربة ناقص ، واعتبار شرف النفس الإنسانية لا يقدر بالمال.
مخ ۶۵