على رأينا فلسنا عالمين بالغيب ، فعالم الغيب علوى ونحن فى عالم الكون والفساد حيث يوجد التعارض فى كل المعانى وفى كل الوجوه ، ولن يكون لأهل هذا العالم وقوف على ما فى عالم الغيب ، ومن المحتمل أن يأتى عصر يغاير رأينا ويرى الصلاح فى وجه آخر غير الذى رأيناه.
أما الأمر الآخر الذى كتبته من وجوب التشاور مع الأمناء والنصحاء وأرباب الذكاء فى هذا الأمر حتى يتم تعيين ولى للعهد ، فاعلم أننا قد أردنا أن يتفرد السلطان فى هذا الرأى من بين حكام العالم فلا يتشاور مع مخلوق قط ولا يجيز تعيين ولى للعهد بناء على كلام أو إشارة أو مكالمة ، فيكتب ثلاث نسخ بخطه ويترك كل واحدة منها مع أمين ثقة فيسلم واحدة منها إلى رئيس الموابدة والأخرى لرئيس الكتاب والثالثة إلى قائد القوات بحيث إذا ما رحل السلطان عن الدنيا يستدعى رئيس الموابدة
يروح ويغدو كل يوم وليلة
وعما قريب لا يروح ولا يغدو (1)
ثم يأتى الشخصان الآخران ثم يجتمعوا معا ويقررون رفع الأختام عن تلك الوثائق الثلاث ثم ينظر أى من الأبناء يستقر عليه هؤلاء الأشخاص الثلاثة ، فإن جاء رأى الموبد موافقا لرأى الثلاثة ، يعلن الخبر للخلق فإن خالف الرأى رأى الموبد لا يفصح عن أى قرار ، لا مما تضمنته تلك الوثائق الثلاث ولا من رأى قول الموبد حتى يخلو الموبد مع الهرابذة وحده وأهل الدين والزهاد ، ويعكفوا جميعا على الطاعة والتراتيل ثم يؤمن وراءهم على دعائهم وتضرعهم أهل الصلاح والعفاف رافعين أكف الضراعة والخشوع فإذا ما انتهوا من هذا فى صلاة العشاء ، واطمأنوا إلى ما ألقاه الله تعالى فى روع وقلب الموبد ، يأتون بالتاج والعرش إلى البلاط فى تلك الليلة ويدعى جميع أصحاب المراتب كل فى مقامه ، ثم يذهب الموبد مع الهرابذه والأكابر وأركان الدولة وأجلتها إلى مجلس الأمراء ، ويصطفون أمامهم ويقولون : لقد قمنا بمشورتنا بين يدى الله العظيم وقد ألهمنا الرشاد وأطلعنا على ما فيه الخير ثم يرفع الموبد صوته ويقول : لقد رضيت الملائكة بقولى : فلان بن فلان الملك وعليكم أنتم أيها الخلائق أن تقروا
مخ ۵۴