أيها الفتى ما أكثر ما حملنا سيل القضاء ، وطوح بنا إلى مجرى الفناء حتى يلقى بكم الهلاك عبر الدهر كالقش على الطريق فسأله الرجل : لقد أطلقت دعوى كبيرة فهل لديك حجة أو برهان أو بينة أو سلطان قط على زعمك هذا ، فقال النسناس : اعلم أنه كان لنا ملك ذو عقل وكياسة وفضل ودراسة كان عليما بغرائب الدنيا وعجائب السماء ، وقد نجا برأيه المتين من بين آلاف الآراء فلم يضع قدمه قط فى مصيدة الدهر ، ولم يخدع بشعوذته فقد كان ثاقب النظر ذا فكر متين :
فالدين والملك والأقوام قاطبة
راضون عن سعيه والله والله
وذات يوم على سبيل النظر والاستطلاع طلع فوق شجرة كانت على مشارف تلك المدينة وفصل أمر الكبش والجارية وما حدث بينهما وبين الملك إلى آخر القصة ثم قال بعد ذلك : ألا إنه بسبب عصياننا وعدم استماع نصائحه وكفر قلوبنا بحدبه علينا وخشيته من أن يحل بنا مثل هذا الموت ، ترك الملك وغادرنا فلابد أن يحل بدولتكم مثلما حل بنا وفق ما بينه ، فسمع الرجل هذه الحكاية وتعجب منها ، فلما بلغ المدينة رواها وجرى ذكرها بين أسماع وأفواه العام والخاص حتى عرض الأمر على الملك فأمر بإحضار أول من رواها ونقلها ، وكان ذلك الرجل من وجهاء المدينة لديه كثرة من الأقارب والإخوان ، فلما أحضر إلى الملك كان بخار نار غضب الملك يتصاعد من أبخرة أنفه حتى يصل إلى العيون (نجم) فأمر بعقاب الرجل فى الحال ، فلما علم بأمره شيعته أتوا جميعا مع جميع عامة المدينة إلى البلاط ونشبت فتنة لم تخمد وانتهت بقتل الملك وتشتت الناس وخربت المدينة.
فلما بلغ حديث «رستين» المؤدب مع «تغل شاه» هذا الحد قال له «تغل شاه» : هذا المثل وتلك الحكاية ينطبقان على أى مكان ، وما حاجتك من هذا العرض؟ ، فعرض «رستين» أمره على الشيخ الذى كان (كاتبا) لدارا وقال : بالرغم من أن هذا الأمر يثقل على المليك إلا أن المصلحة فى أن تعزلنى حتى تخمد تلك الفتنة ، فقال السلطان : الزم الصمت ولا تفش هذا السر قط حتى يظهر لتلك المهمة من يكون أهلا
مخ ۵۲