وبما أن فكركم فى شأنى هكذا فالأولى أن أذهب فى طلب الطبيب بنفسى وأجنبكم عناء التعب ، وعلى الفور شد ركاب مركب الفراق وطلق الملك ، ولم يكد يمضى وقت على هذا الأمر حتى خرجت تلك الجارية من القصر على عجل وبيدها قارورة من زيت وقطعة من نار ، فجاء الكبش على حسب العادة التى كان قد عود عليها متوجها إلى الجارية وألقى بنفسه إليها فألقت الجارية الزجاجة (القارورة) وقطعة النار على الكبش فاختلط الزيت بالنار بصوف الكبش ، ومن فزع الكبش من حرارة النار أخذ يجرى من باب لآخر ويهرب من قصر إلى قصر حتى وصل إلى بيت عظيم لأحد أركان الدولة وأعيان المدينة وشاء القدر أن يكون صاحب البيت مريضا فأسرع إليه الكبش وتسبب فى حرقه مع بضعة أشخاص من العظماء أيضا ، فرفعوا هذا الخبر إلى مليك (حاكم) تلك المدينة فأمر الأطباء بأدوية ومراهم لازمة للحروق وتصادف أن لم يكن لهذه الحروق من مرهم إلا من مرارة نسناس فقيل سهلة وبسيطة فأمر واحدا بالركوب ليصطاد نسناسا واستخراج مرارته ، وبأمر هذا المليك قام الصياد بصيد النسناس بالغدر والحيلة وبلغ مراده منه ، فاجتمعت النسانيس وقتلوا رسول المليك ومزقوا أعضاءه إربا إربا ، فبلغ الخبر إلى المليك فركب لقتال النسانيس وقتل الكثير منهم ثم عفا عن بعضهم ، فجاء أحد النسانيس إلى رجل من حاشية الملك فسلم ثم قال : منذ عدة سنوات ونحن فى جواركم لم يحدث مكروه منكم لنا ولم يلاحقكم ضرر منا ، فكل شخص منا كان مشغولا بكسب الرزق المقدر فى الستر المستر ، فما الباعث الذى دفعكم إلى هلاكنا واستئصالنا حتى فقأتم عين المروءة بشوكة الغضب واستهنتم بحقوق الجوار وبحفظ الأمانة وتجاهلتم ملامة الدنيا وعقوبة الآخرة :
يا جائرين علينا فى حكومتهم
والجوار أعظم ما يؤتى ويرتكب (1)
وقد قص ذلك الرجل أمر الكبش والجارية والنار والمحترقين ومعالجة الطبيب وقتل الصياد وانتقام الملك العام مع النسانيس وقال نسناس بعين دامعة : حقا ما قاله على أمير المؤمنين عليه السلام (ألا وإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة)، ومعناه : إن كل شخص يهمل نصيحة العالم المشفق المتمرس لا يرى سوى الحسرة والندم.
مخ ۵۱