يتملكه الغضب سريعا فإذا ما تملكه الغضب ركن إلى العدوان ، وإذا ما اعتدى انشغل الآخرون بالانتقام منه ، حتى يهلك مما يغنى الآخرون بسببه ، ومن يجب أن يكون مليكا فهو من يكون قد نال الملك بالطاعة والولاء ، ومن رأى وعانى ما يخالف هواه وتجرع مرارة الإحباط ويكون قد تجرع أقداح التوبيخ واللوم من النساء والصبية والخدم والرؤساء والأصدقاء والأعداء على السواء ، وسوف أقص عليك فى هذا الأمر حكاية عساك لم تكن قد سمعتها ولكنى أخشى أن تبقى حكايتى هذه فى أعقابى ، فتكون عارا لنا ولرأينا ؛ ومع هذا فسوف أقصها حتى أزيدك علما ، فاعلم أننا لقينا معشر" قريش" مما لا نملك خلة ولا خصلة قط من الفضل الكرم أعظم مما أبديناه دائما من الخضوع والخشوع والذل فى خدمة الملوك ، فقد اخترنا الانقياد والطاعة والإخلاص والوقار فاستقام أمرنا بهذه الخصلة ، وفزنا بقيادة ورئاسة جميع الأقاليم بذلك وهذا ما جعلنا نلقب : الخاضعين ، وكان هذا اللقب هو أفضل الأسماء والألقاب التى لنا فى الأولين والآخرين فى الدين والكتب ، قياسا إلى باقى المناقب التى لنا بحيث صرنا وصارت حقيقة أن هذا الاسم مذكرا وواعظا لنا ، وبقى العز والمكرمة والفخر والمكانة بهذا الاسم فى حين أن الذل والمهانة والهلاك فى التكبر والتعزز والاستعلاء ، وكان أوائلنا وأواخرنا جميعا على هذا الرأى ، ولم يلقوا من الملوك مطلقا إلا الخير والتكريم كما لم يلق السلاطين منهم أيضا إلا الطاعة والولاء ، فلا غرو أن كنا فى هذا الأمن وتلك الدعة موضع حسد أهل العالم ، وكنا حكام الأقاليم السبعة ، بحيث لو إن واحدا منا حل بالأقاليم السبعة لما كان مخلوق قط لخوفه من ملوكنا يتجرأ بأن يلقى علينا نظرة تخلو من الاحترام ، كنا جميعا على هذا النحو إلى عهد" دارا بن شهرزاد" الذى لم يكن فى الدنيا مليك قط ، أعلم منه ولا أحكم ولا أصيب سيرة ولا أعز ولا أنفذ حكما ، وكان جميع الملوك من الصين إلى مغارب الروم عبيدا منطقين ، يرسلون إليه الخراج والهدايا فكانوا يلقبونه بلقب" تغل شاه" إلا أن كل بلاء وضرر حل به وبابنه" دارا" وبأهل زمانها كان نتيجة لأن هذا" التغل شاه" كان رجلا حريصا على الدنيا وقد أحب ولده ولحبه للدنيا غلب حبه لولده ، فلم يكن له سواه ففكر فى أنه لو منحه اسمه وأعطاه التاج والعرش فإذا مات هو نفسه فيسعد بين الأحياء وسيبقى ذكر اسمه
مخ ۴۶