فيحترم كل واحد منهم الآخر ، فلو سمحوا لأحد من الناس أن يتصرف فى أمر ما وفق هواه ومراده ، فليس للهوى نهاية أو حد ، ولسوف تتجمع عليهم من الأشياء ما لا يستطيع ما لهم أن يفى به ، فينتهى بهم الأمر سريعا إلى الفقر والحاجة فإذا ما انتهى أمر الرعية إلى الفقر فستخلو خزائن الملك ، ولن يجد الجند النفقة ويضيع الملك من اليد ، وقد منع الأمراء من التبذير والسفه حتى لا يحتاجوا إلى أبناء المهن ، ورتبت معيشتهم بحيث لو كان لواحد منهم ألف كنز ولو كان لأحد آخر مال قليل فإن الجميع يعيشون وفق السنة فى مستوى واحد ، وعليهم أن يتخيروا من بنات الملوك من كانت أصلح وصاحبة دين ، حتى تتحقق للجميع الرغبة فى الصلاح والعفة ، وعلى كل منهم أن يكتفى بزوجة واحدة أو اثنتين ، وكان مستنكرا كثرة العيال وكان يقول : إن كثرة العيال تليق بالسفلة فى حين أن الملوك والأمراء يباهون بقلة الأبناء.
بغاث الطير أكثرها فراخا
وأم الصقر مقلات نزور (1)
أما الأمر الآخر الذى كتبته بأن الملك عين على أهل الممالك المخبرين والجواسيس وأن الناس جميعا فى خوف وحيرة من هذا الأمر ، فليس هناك خوف قط من هذا الأمر على أهل البراءة والسلامة ، فلا يليق للمليك تعيين جاسوس ولا مخبر ما لم يكن مصلحا ومطيعا وتقيا وأمينا وعالما ومتدينا وزاهدا فى الدنيا ، حتى يكون ما يعرضه عن تثبت تعيين فحين تكون مطيعا ومنضبطا ويبلغون ذلك عنك للمليك ، فلابد أن تزداد سعادتك لإبلاغ إخلاصك إليه فتزداد شفقته عليك ، ولقد كتب السلطان هذا الباب فى الوصية التى حررها باستقصاء جهل الملك بأمر الناس وعدم وقوفه عليها باب من الفساد ، ولكن بشرط أن يحذر أن يسمع كلاما ممن ليسوا من أهل الثقة والاطمئنان وأن لا يأخذ برأيهم ولا يعمل به ولا يتصور ولا يقول : إننى أقتدى ب" أردشير" فقد جئت
«الحماسة لأبى تمام بن أوس الطائى» ، تحقيق د. عبد الله عبد الرحيم عسيلان ، الجزء الأول طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود 1401 ه 1981 ص ، 581 وانظر : الميدانى (أبى الفضل أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابورى) مجمع الأمثال ج 1 مطبعة السنة المحمدية 1347 ه 1955 م ص 62» المترجم.
مخ ۴۴