والعمل ، ولا وارثين لضياع ولا يهمهم حسب ولا نسب ، فارغون من كل فكر وحرفة ، مستعدون للغمز والشر والترويج والكذب والافتراءات ، وهم يعيشون على ذلك ، وقد بلغوا وجاهة به فى الحال وكسبا للعمال ، وقد أعاد السلطان بعقله الخاص وفيض فضله تلك الأعضاء التى كانت قد تمزقت من بعضها البعض إلى بعضها مرة أخرى ، وجمعها وأعاد كلا منهم إلى مقر فئته وأنزله مرتبته ، ومنع أى واحد منهم أن يشتغل بغير الصفة التى خلقه الله سبحانه وتعالى من أجلها ، وفتح تقدير الحق تعالى على يديه بابا لأهل العالم ، حيث لم تكن الأفكار والخواطر قد بلغته فى الزمن الأول ، وكلف كل واحد من رؤساء الأعضاء الأربعة بأنه إذا ما وجد أثر رشد وخير فى واحد من أبناء مهنته ورآه مأمونا على الدين أو صاحب بطش وقوة وشجاعة وفضل وحفظ وفطانة وجدارة بأن يعرض عليه حتى يصدر بشأنه أمرا ، أما ما تستعظمه فى عينك من عقوبات السلطان والإسراف الذى يأمر به لسفك الدماء فى حق من يعمل من الأفراد بخلاف رأيه وأمره ، فليعلم أن الأوائل قد قصروا أيديهم عن هذا الأمر ، لأن الخلائق لم يكونوا ينسبون إلى العصيان وترك الأدب ، فانشغل كل إنسان بمعيشته وبما يهمه ، فلم يكونوا يدفعون الملوك إلى الاهتمام بهذا الأمر بسوء التدبير والعصيان فلما كثر الفساد وخرج الناس على طاعة الدين والعقل والسلطان وسقط الحساب بينهم ، عندها لا تسترجع كرامة مثل هذا الملك ورونقه إلا بسفك الدماء ، ربما لم تسمع بأنه فى مثل هذا الزمن قال رجل من أهل الصلاح : لم نعلم ولم نسمع من قبل بأن العفاف والحياء والقناعة والصداقة المرعية والنصيحة الصادقة والرحم الموصولة قد انقطعت بسبب الطمع ، فلما غلب الطمع على هذا الزمان زال الأدب من بينهم وأصبح العدو أقرب إلينا ومن كان تابعا لنا أصبح متبوعا ومن كان خادما أصبح مخدوما ، وصار الجميع كشياطين قد فكت قيودها فأسقطوا الأمور وانتشروا فى المدن باللصوصية والفتنة والصعلكة والفواحش ، حتى بلغ الأمر أن تتطاول العبيد على السادة وتمردت النساء على الأزواج ، وتسلطت عليهم ، وعد من هذا النمط كثيرا ، ثم قال بعد ذلك : " فلا قريب ولا حميم ولا نصيح إلا السنة والأدب" حتى تعلم أن ما أمر به السلطان من اشتغال الناس بأمورهم عن أمور الآخرين هو قوام العالم ونظام أمر أهله ، كما إنه بمنزلة
مخ ۳۷