بذلك؟ ولا شبهة فى إنه فى الزمن الأول مع كمال معرفة الإنسان بعلم الدين وثبات اليقين كان الناس مع ما وقع من الأحداث فيما بينهم حاجة ماسة لملك صاحب رأى ، ولا يكون للدين قوام ما لم يكن هناك رأى واضح.
الأمر الثانى : كتبته عما يطلبه المليك من أهل المكاتب والمروءة ، فاعلم أن الناس فى الدين أربعة أصناف ، وفى كثير من كتب الدين مكتوب ومبين بلا جدال ولا تأويل ولا خلاف ولا أقاويل ويقولون إن لذلك أربعة أعضاء والملك على رأسها :
العضو الأول : أصحاب الدين وهذا العضو ينقسم إلى أصناف أخرى وهى : الحكام والعباد والزهاد والسدنة والمعلمون.
أما العضو الثانى : فهو المقاتلون أى رجال الحرب وهم على قسمين الراكبون والمترجلون وهم متفاوتون بعد ذلك فى الدرجات والأعمال.
أما العضو الثالث : وهم كتاب الرسائل وكتاب القضايا والسجلات والشروط وكتاب السير والأطباء والشعراء والمنجمون داخل طبقتهم ويعدون أرباب المهن.
أما العضو الرابع : وهم الزراع والرعاة والتجار وسائر الحرفيين ويكون بنو آدم أربعة أعضاء فى زمن الصلاح على الدوام ، ولا شك أنه لا ينقل واحد من فئة إلى أخرى إلا أن يجدوا واحدا فى الجبلة قد شاعت أهليته فيعرضونه على المليك ، وبعد طول تجربة ومراقبة له من قبل الموابدة والهرابدة يتم إلحاقه بطائفة أخرى إن وجد مستحقا لذلك ، لكن بما إن الناس سقطوا فى عصر الفساد وسلطان لا يقيم صلاح العالم ، فقد تعلقت أطماعهم بما ليس حقا لهم ، فأضاعوا الأدب وأهملوا السنة وأطلقوا للرأى العناية وحشروا رؤوسهم ، وسلكوا بالقوة طرقا لا تبدو لها نهاية فظهرت السطوة وحملت جماعة على أخرى لتفاوتهم فى المراتب والآراء ، حتى انتهى السلام والدين جملة ، وبات لبنى آدم صورتان هى : الشيطان صفة والوحش سيرة على نحو ما جرى ذكره فى القرآن المجيد عز قائله من قوله (شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض) (1) وسقط حجاب المحافظة والأدب ، وظهر قوم ليسوا متحلين بشرف الفضل
مخ ۳۶