والتغالب والتطاول والمواجهة والتقاتل ، وتمتد عيونهم إلى الملك والتفاخر والتكاثر فى المال والتفاخر بالحسب ، والتشاجر على الاتباع والجاه مما يشغلهم عن الانتقام منك فلا يستطيعون التجاوز والتغاضى بعضهم للبعض الآخر ؛ فإن مضيت إلى أقصى مكان فى العالم فسوف يظل كل واحد منهم يخيف الآخر بحولك وقوتك ومعونتك ، وتكون أنت فى بعدك عنهم بمأمن ، برغم أن الدهر لا أمان له ولا اعتماد عليه ، فلما وقف «الإسكندر» على الجواب قرر العمل بمشورة" أرسطاطاليس" وقسم بلاد" إيران" بين أبناء ملوكها ولقبوا (بملوك الطوائف) (1)، وزحف بجيشه من ذلك الإقليم ، واستنادا إلى الأسباب التى أكرمه بها مالك الملك دان له أهل العالم ، فسيطر على الدنيا وبعد أربعة عشر عاما حين عاد إلى أرض" بابل" ترك ما كان قد أخذ ورحل هو أيضا.
رأينا الدنيا شيئا لا قيمة له ، وكل ملك العالم لا يقوم بأبخس الأثمان ، وجيشه الذى كان منتظما متماسكا كصفة الثريا بات متفرقا كبنات نعش ، وهو لم يكن قد دفن فى التراب بعد إذ عصفت الريح بأوطانه وما أكثر ما حول الدهر مجتمعات واحتشادات إلى تفرقة وتبعثر ، وقد مضى على هذا النحو تعاقب الفلك ، وبعد فترة خرج" أردشير بن بابك بن ساسان" ، فكان ملكا على أرض" العراقين" والممالك ، مملكة" نهاوند" و" بسطام" ، و" سبزان" ، وكان" أردوان" أعظم ملوك الطوائف وأكثرهم سطوة ، فأخذه" أردشير" مع تسعين آخرين من الأبناء الذين أسرهم الإسكندر ، وقتل البعض بالسيف والبعض بالسجن ، بخلاف" أردوان" كان" جشنسف" ملك" طبرستان" و" فرشواركر" الأعظم قدرا ومرتبة فى ذلك العهد ، ولأن أجداد" جشنسف" كانوا قد استردوا أرض" فرشواركر" من نواب" الإسكندر" بالقهر والغلبة ، وكان حكمه على مذهب وسنن ملوك" فارس" ، فلم يرسل جيشه إلى ولايته ، وكان يبدى التساهل والمجاملة فى
" تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر» لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون الخضرمى المغربى بيروت لبنان 1399 ه 1979 م. المجلد الثانى ص 167" المترجم.
مخ ۳۰