دع مسلك السفلة إلى المواضع العلية فانصرف عن هذا الرأى ، ومعنى ذلك أنه فى الحقيقة قد اختصت أمم كل إقليم فى العالم بفضيلة وفضل وشرف لا تتمتع به أهل الأقاليم الأخرى ، وقد تميز أهل" فارس" بالشجاعة والإقدام والفن والخبرة يوم الحرب ، والذى يعد أعظم ركن من أركان الملك وأدوات النجاح وأسبابه ، فلو قضيت عليهم فسوف تكون قد اقتلعت من العالم أعظم ركن من أركان الفضيلة وعند ما ينتهى أمر عظماؤهم ، فلا محالة بأن الحاجة سوف تجعل الوضعاء الأخساء يرتقون منازل وأماكن العظماء ، فاعلم حقا أنه لا يوجد فى العالم قط شر ولا بلاء ولا فتنة ولا وباء له من الفساد مثل ذلك الأثر الذى من الأخساء الوضعاء حين يحتلون مكانة العظماء ، فاحذر واصرف عنان الهمة عن تلك النية ، واقطع لسان التهمة ، وأخرسه بكمال عقلك إذ إنه أكثر إيلاما وأثرا من السنان الذى ينزع الروح ، وحتى لا تنسخ شريعة ولا مذهب حسن من أجل وهم وتخمين لا عن حقيقة ويقين بأنك سوف تقضى أياما قلائل من الحياة فى طمأنينة بال وفراغ خاطر.
فإنما المرء حديث بعده
فكن حديثا حسنا لمن وعى (1)
** " رباعية"
فيجب أن تكرم أصحاب بيوتهم وأرباب الدرجات منهم وأمراءهم وكبراءهم بمكانة لديك وحماية منك ووفائك وعنايتك ، وأن تبعد عن خواطرهم أسباب الضجر والتفكير بالعواطف والمراحم منك ، فقد قال الأسلاف إن كل أمر مهم لا يبلغ هدفه بالرفق واللطف لا يتيسر بالقهر والعنف ، والرأى هو أن تقسم ملك" فارس" بين أبناء ملوكهم ، وأن تتوج كل واحد تجده منهم فى كل ناحية وتهبه عرشها ، وأن لا تعطى شخصا قط رفعة ولا تفوقا ولا سيطرة على آخر منهم حتى يستند كل واحد منهم فى منطقة نفوذه على رأى نفسه ، لأن لقب الملك له غرور عظيم ، وكل رأس تحظى بالتاج لا تقبل سطوة وابتزاز شخص آخر ، ولا تنحنى للغير ، وبهذا يبقى الكثير من القطيعة والتدابر
مخ ۲۹