بلغ من العلم بأنواع الفلسفة ما لم يبلغ الحكيمان أفلاطون وأرسطاطاليس ، ونال خصوصا من علم الهيئة والأحكام ما لم ينله الفاضلان أرشميدس وبطليموس ، فأما البيان والبلاغة واللسان البراعة فقد زاد فيها على قس سحبان وعامة فصحاء قحطان وعدنان وبز لسان الإسلام فصيح الزمان الحسن وأبا عثمان ، وأما حديث الفروسية والباس وذكر الزانات والتراس فقد غبر وجوه أصناف الناس ، فأين منه الفرس ومذكور فرسانها والعرب ومشهور شجعانها ، فلله هذه الفضائل كيف حازها الأمير الجليل حتى صارت فى حيز المعجز وواها لهذه المناقب كيف جمعها شمس المعالى حتى عد فى حد المعوز؟ ، فأما أمر الأمير الجليل الوارد على مملوكه وصنيعته فى خدمة عالى خزانته بحمل الإسطرلابين المطلوبين المعين عليهما الموصوفين فقد امتثله امتثال المطيع السامع وبادر الى ارتسامه مبادرة التابع المسارع ، ولولا المشهور من حاله فى ضعف الشيخوخة وعجزه عن الحركة والنهوض لتولى بنفسه حمل الأسطر لابين وذات الحلق فيما بين الأجفان والحدق فهو يرى التدين بطاعته فرضا لا يسوغ إهماله وحتما واجبا لا يجوز إغفاله ، والمطلع على السرائر العالم بخفيات الضمائر يعلم إننى منذ حين وبرهة أتمنى الإلمام بتلك الحضرة المقدمة وتقبيل ذلك البساط إلا أن انقطاعى إلى خدمة السلطان يقطعنى عن معظم إيثارى وعوائق الزمان تملك زمام أمرى فتحول بينى وبين اختيارى ، وأرجو أن المعذرة واضحة والحال جلية لائحة وسأكتب وأخدم وأسترسل ولا أحتشم ، ولسيدنا فى تشريف عبده وصنيعته بما يؤهله له من رفيع خدمته الرأى الأعلى والأمر المتمثل الأسنى].
وروى أنه كان له خادم يدعى أحمد سغدى قال بين يديه ذات مرة إن غلاما حسن الوجه يباع فى بخارى بألف دينار فأمره بأنه يجب أن يصير إليه وأن يشتريه ، فلما أحضره إليه وكان فى غاية الجمال والإقبال وبالغ فى الحسن أمعن النظر فيه جيدا وأمر بأن يستدعوا أبا العباس الغانمى الذى كان وزيره ، وأمره بأن يخصص لهذا الغلام إقطاعا ويهيىء لوازم معيشته ويطلب فى نفس اليوم بنتا من أحد مدينة جرجان ويزوجه منها ويسلمها له ، وبالتأكيد طالما لم تنبت لحيته لن تحضره عندى إذ علينا أن نحمل هم إصلاح أمر البلاد والعباد فلا ينبغى أن نفعل أمرا يسلم القلب للهوى والرغائب ، ونفذ الوزير الأمر على نحو ما كلف به ، وكان أبو العباس الغانمى هذا آية من الآيات وكان لا يقبل هدية أو تحفة من أى مخلوق قط عن ظلف وتعفف ، وكانت بينه وبين نصر العتبى مصادقة ومراسلة وحدث أنه حينما أرسله قابوس إلى المعسكر كتب إليه العتبى رسالة بالسيف الهندى قائلا :
مخ ۱۵۷