فعارض الأشراف حفظا لحقوقهم السياسية وديونهم، وأصر كل من الطرفين على عدم التسليم للآخر لكن بالطرق القانونية لا الثورية الموجبة لتفرق الشعب وانقسامه على بعضه وإراقة الدماء التي يحق الحفاظ عليها لمحاربة الأعداء فقط، فأعاد الشعب انتخاب نائبيه اللذين قدما هذه المشروعات الثلاثة عشر سنوات متوالية رغما عن معارضة الأشراف، وكانا في كل سنة يقدمان مشروعاتهما ويلحان في طلب تقريرها مع معارضة الأشراف بعض زملائهما لهما بمساعي ودسائس الأشراف وأعضاء السناتو، وأخيرا مل الشعب من الانتظار وأظهر رغبته في قبول تقرير مشروعي الأراضي والديون فقط وإرجاء مشروع المشاركة في وظيفتي القنصلية لفرصة مناسبة، فعارض سكستيوس وقال بقبول المشروعات الثلاثة معا أو رفضها معا إذ إن فصلها عن بعضها بعد المثابرة عشر سنوات مما يحط بقدر الشعب في أعين الأشراف، ويحملهم على الظن بأن الأهالي لا يقوون على الثبات أمام معارضتهم، وتكون نتيجة ذلك عدم تقدير طلباتهم في المستقبل حق قدرها، والمماطلة في قبولها حتى يسأم الشعب ويتركها وتبقى القوة والسلطان للأشراف.
وفي سنة 367 توسط القائد الشهير كامليوس وأقنع السناتو بضرورة التصديق على هذه الطلبات العادلة حتى تتحصل الأمة على حقوقها، ولا يبقى ثمة سبب للشقاق والانقسام فصدق عليها وانتخب سكستيوس أول قنصل من الأهالي وزال الخلاف وانتهى التنازع على السلطة بعد أن استمر نحو مائة وخمسين سنة، وأقام كامليوس تذكارا لذلك هيكلا للمعبود الذي يمثل الوفاق والاتحاد.
ولما صادق السناتو على قبول غير الأشراف في وظيفة القنصلية سلخ عنها بعض الاختصاصات المهمة وخصها بالأشراف، وأوجد وظيفة (بريتور) وجعل من اختصاصاتها إدارة القضاء وتفسير المسائل القانونية مع حق الفصل في القضايا.
وفي سنة 365 أنشأ إدارة البلدية وخصها كذلك بالأشراف وجعل من شؤونها ملاحظة الشوارع وأقنية جلب المياه للمدينة والمحافظة على المباني العمومية، وملاحظة الأعياد والاحتفالات والألعاب الأهلية، وبالاختصار كانت اختصاصاتها تقرب من اختصاصات المجالس البلدية الموجودة بقطرنا الآن، فبقي للقناصل بعد سلخ هذه الاختصاصات قيادة الجيوش ورئاسة السناتو والخدمة العسكرية إلا أن حق تعيين حاكم مطلق في الظروف الحرجة بمعرفة السناتو أنقص من أهمية الامتياز الجديد الذي منح للأهالي؛ لأنه كان يستعمل هذا الحق عند الانتخابات العمومية للتأثير على المنتخبين، وكذلك في الحروب المهمة حتى لا يحتفل بانتصار قنصل من الشعب بالطريقة المتبعة غيرة من الأشراف على هذا الامتياز القديم، ولقد أكثر السناتو من استعمال هذا الحق فعين أربعة عشر دكتاتورا من سنة 364 لسنة 343؛ أي في مدة إحدى وعشرين سنة.
وفي أثناء ذلك حصلت حوالي رومة عدة حروب كان النصر النهائي فيها للرومانيين بعد أن هربوا عدة مرات، ففي سنة 362 تألب اللاتينيون عليها وفازت قبائل الهرنيك على جيوشها وقتلوا قائدهم.
وفي سنة 460 أغار الغاليون
2
ثانيا على أرباض المدينة ووصلوا إلى أحد أبوابها مدحورين، وفي سنة 357 هاجمها سكان مدينة تركوينيا وهزموا جيوشها وقتلوا قائدهم وذبحوا 307 جنود من الأسرى قربانا لآلهتهم، ثم هزموا مرارا بين سنة 356 وسنة 350، واضطروا في هذه السنة لعقد معاهدة صلح مع رومة لمدة أربعين سنة، وفي سنة 356 عاود الغاليون الكرة عليها فانتصرت عليهم بمساعدة اللاتينيين الذين رأوا أخيرا أن الاتحاد مع الرومانيين على محاربة هؤلاء الأجانب أضمن لاستقلالهم وأولى من الانقسام والشقاق، لكن لم تكن هذه الإغارة هي الأخيرة من قبل الغاليين، بل جمعوا قواهم وهاجموها المرة الأخيرة في سنة 349 فانتصر الرومانيون عليهم هذه الدفعة نصرا مبينا تحت إمرة وقيادة فلريوس بن كامليوس الذي رد إغارتهم الأولى فلم يعودوا إليها، وقد لقب هذا القائد بالغراب تذكارا لحادثة يروونها، ويغلب أنها وهمية لا حقيقية لها، وهي أنه بارز أحد قواد الغاليين في أثناء القتال، فنزل غراب على خوذته وأخذ ينقره في عينيه ويرفرف عليه بجناحيه حتى لم يتمكن من الدفاع عن نفسه وقتله فلريوس.
وفي سنة 345 فتح الرومانيون مدينة (سوره) إحدى مدائن الفولسك؛ فزال بذلك المانع الذي كان يعوقهم من التقدم إلى إقليم (كمبانيا) التي كانت رومة تطمح إلى الاستيلاء عليه لخصوبة أرضه ووفرة حاصلاته.
وبهذه الانتصارات المتوالية والفتوحات المتتالية في الخارج، وحصول الشعب على المساواة في جميع الحقوق السياسية تقريبا، واستتباب الأمن بسبب ذلك في الداخل؛ صارت الجمهورية الرومانية أقوى الولايات التي كانت تكون لما نسميه الآن بمملكة إيطاليا، وداخلها حب امتداد النفوذ والفتوحات إلى ما وراء حدودها؛ فساقت الجيوش إلى جميع الحكومات المتاخمة لها وفتحتها شيئا فشيئا حتى أدخلتها تحت سلطانها وتعدتها إلى غيرها كما سيأتي مفصلا، ولنذكر الآن بكل إيجاز واختصار الحروب التي كانت نتيجتها بسط سلطة رومة على جميع إقليم إيطاليا فنقول:
ناپیژندل شوی مخ