سنة 611م، واستولى على دمشق سنة 613م، وعلى أورشليم سنة 614م، وغنم منها نفائس لا تثمن، وفي جملتها خشبة الصليب، ثم زحف على مصر سنة 617م فافتتح الإسكندرية، وكان جيش آخر للفرس يجتاح آسيا الصغرى حيث بلغ خلقدونية فاحتلها، ولم يبق بينه وبين العاصمة سوى البوسفور، فهب هرقل إذ ذاك من رقاده، واستعد للحرب، وجرد جيوشه، واسترد من الفرس هذه المدن كلها وخشبة الصليب، وقام الإسلام في جزيرة العرب والحرب دائرة بين المملكتين ولم تنته إلا سنة 638م.
وكانت المملكتان في ذلك الوقت تتنافسان في بسط نفوذهما على بلاد العرب؛ لما كان لهذه البلاد من الشأن الخطير لحاصلاتها من الذهب وأنواع العطور، ولما لموقعها الجغرافي من الأهمية؛ إذ كانت في ذلك العهد طريق الهند.
وكان الروم بعد إخفاق حملتهم على بلاد العرب بقيادة «أليوس غالوس» سنة 18ق.م في عهد «أوغسطوس» قيصر قد عدلوا عن فتح البلاد عنوة، وعولوا على الفتح السلمي، واختاروا لمعاونتهم على ذلك ملوك غسان، فناطوا بهم مراقبة حدود بلاد العرب من جهة سوريا وفلسطين والسعي في بسط نفوذهم في البلاد العربية.
واتبع الفرس من جانبهم مثل هذه السياسة، واعتمدوا على المناذرة ملوك الحيرة، وناطوا بهم مقاومة نفوذ الروم، ورفع شأن الفرس في بلاد العرب، وكانت ديانة مملكة الروم النصرانية، وديانة مملكة الفرس المجوسية، أو تقديس مذهب زرادشت.
10
وكان المجوس يناوئون النصارى ويعضدهم اليهود، وقد انقسم النصارى طوائف شتى: يعاقبة، ونساطرة، وأريوسيين، وأرثوذكس وغيرهم، وانقسم اليهود إلى: ربانيين وقرائين وسامريين.
وكان العرب في جزيرتهم يتخبطون في عبادة الكواكب والأصنام، وقد دخل الجزيرة اليهودية والنصرانية من الشام، والمجوسية من العراق، وكان من العرب من اعترف بالخالق وأنكر البعث، ومنهم من أنكر الخالق والبعث وقال بالطبع المحيي والدهر المفني، وكلهم قالوا بالبخت والجن، واشتغلوا بالتنجيم والسحر وتفسير الأحلام، وكان من عاداتهم الذميمة: وأد البنات، وعدم الرفق بالرقيق، وشرب الخمر، ولعب الميسر، وبالإجمال فقد كانت الفوضى في السياسة والإدارة والدين والأخلاق سائدة في الشرق كله، وكان الشرق يتطلب الخروج من هذه الفوضى والراحة من شرها.
فلما ظهر النبي محمد
صلى الله عليه وسلم
نادى قومه بقوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فصرف وجوههم عن الكواكب إلى «القرآن الكريم» فجاء آية في الفصاحة والبلاغة وحسن التنسيق، وقد تضمن عقيدة التوحيد التي تقبلها الفطرة الإنسانية، وتضمن فوق ذلك آدابا وحكما وشرائع وعلما وتاريخا وسياسة وخلقا كريما.
ناپیژندل شوی مخ