بالنوازل، بصيرا بالأحكام، متقدما في معرفتها. وجمع فيها كتابا حسنا مفيدا، يعول الحاكم عليه. وكتب للقاضي أبي زيد الحشاء بطليطلة؛ ثم للقاضي أبي بكر بن منظور بقرطبة. وتولى الشورى بها مدة. ثم ولي القضاء بالعدوة. ثم استقصى بغرناطة. وتوفي مصروفا عن ذلك يوم الجمعة، ودفن في يوم السبت الخامس من المحرم سنة 486. ومن الكتاب المسمى بالتبيان عن الحادثة الكائنة بدولة بني زيري في غرناطة، تصنيف أميرها عبد الله بن بلقين بن باديس بن حبوس، وقد تكلم في أمر المرابطين؛ فقال ما معناه: إن أمير المسلمين يوسف بن تأشفين، لما استقر بسبته، يروم عبور البحر برسم الجهاد في الأندلس، وجه إليه الأمير عبد الله المتقدم الذكر قاضيه ابن سهل رسولا، في معرض الهناء له، والتلقي بالرحب، والإعلام عن الأمير الذي أرسله بالمسارعة إلى ما يذهب إليه في جهاده؛ فقابله بالمبرة والكرامة، وقال له: لست من يكلف أحدا فوق طاقته {دهاء منه وحذقا. وحين ظهر لابن سهل، على ما حكاه الأمير في الكتاب، ما تحققه من خلاف جند مرسله، واختلال أنفس أهل بلدته، قدم بنفسه عند يوسف بن ناشفين، وتفرب إليه، وأعلمه أن القطر ليس عليه فيه مختلف. ولما كان من ظهور المسلمين على الروم ما كان، وانقلب الأجناد بعد ذلك، ودانوا المرابط بالطاعة، فتملك عز ونعمة، ورجوا أن يكونوا عنده في أعلى مرتبة، أهملهم، وقطع، وقال: ما نصحوا مولاهم رب الإحسان عليهم} فكيف يكون حالهم مع غيره؟ وعلى إثر ذلك أخر ابن سهل عن القضاء، فالتزم داره إلى وفاته تجاوز الله عنا وعنه، وغفر لنا وله!
ذكر القاضي موسى بن حماد
ومن صدور القضاة، وثقات الرواة، الشيخ الفقيه العدل النزيه أبو عمران موسى ابن حماد. ولي القضاء بجهات شتى؛ فحمدت سيرته، وشكرت طريقته. وكان شديدا على أهل الأهواء، مترفقا بالضعفاء، متقاضيا عن هنات الفقهاء؛ وآخر ولايته مدينة غرناطة: استقضاه عليها أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين.
مخ ۹۷