ولا ترتفع غمومها؟ وتركتم النزوع إلى دار البقاء، التي لا ينصرم نعيمها؟ لولا رجال من الله صدقوا، فرفضوا عنكم العار بجلادهم وحرروا رقابكم من الذل بجهادهم، وبذلوا في الله ما بذلوا بحكم القرآن، والرعاية لذمم الدين والسلطان، لبرئت من جماعتكم، وأوجبت المؤاخذة على كافتكم، وخرجت الإمام والأمة عن عهدتكم، ونصحت المسلمين في الاستبدال منكم بغيركم {ولن أعدم من الله العلي العظيم عاجل نصر وحسن عقبى لعباده المخلصين، وأوليائه المتقين} فلا بد أن ينصر دينه بما شاء " ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون! " وخلف القاضي ابن الحسن بعد وفاته، في مكان يتولاه، أخوه أحمد بن عبد الله ابن الحسن. قال عياض، وقد ذكر في مداركه: سمع من قاسم بن أصبغ وغيره. واستقضى بكورة رية إلى أن توفي. وكان مشاورا. وكتب عنه فيما قيل. توفي في آخر سنة 392.
ذكر القاضي ابن برطال والقاضي أبي العباس بن ذكوان
وتقدم بقرطبة قاضيا، بعد ابن زرب، محمد بن يحيى بن زكرياء التميمي، المعروف بابن برطال، خال المنصور محمد بن أبي عامر. ثم تلاه أبو العباس أحمد بن عبد الله بن ذكوان، وتسمى بقاضي القضاة. قال ابن عفيف: وكان من خير القضاء نزاهة، وعلما ومعرفة، ورزانة، وعدلا، وحزامة. وقال غيره: كان القاضي أحمد بن عبد الله في ولايته موقر المجلس، مهيب الحضرة؛ ما رأيت مجلس قاض قط أوقر من مجلسه. وكان إذا قعد للحكم في المجلس، وهو غاص بأهله، لم يتكلم أحد منهم بكلمة، ولم ينطق بلفظة غيره وغير الخصمين بين يديه، وإنما كان كلام الناس بينهم إيماء ورمزا، إلى أن يقوم القاضي؛ فصار حديثه في ذلك عجبا. ولقد أتته، في بعض مجالسه، من الأديب أبي بحر أنس بن أحمد الجياني، داهية لم يبلغه بمثلها أحد، لفرط هيبته؛ وذلك أنه كلم بين يديه خصما له، كلاما استطال فيه عليه، بفضل أدبه، وطلاقة لسانه؛ وفارق عادة المجلس في التوقير، فرفع صوته، وعز عطفه
مخ ۸۴