فظلم الظالم بينة عليه. ألا ترى أن مدعى اللقطة إنما بينته الوصف للعفاص والوكاء؟ ورب رمية من غير رام؟ وإرخاء الستور بينة، يجب بها للمرأة أخذ صداقها، وتصدق في دعواها؛ فقد صار الستر بينة لها؛ فظلم الظالم يدعى عليه بعد عزله مقبول عليه من مدعيه، لأن ظلمه شاهد بما يدعى عليه، كما كانت معرفة العفاص والوكاء شاهدا لوصفها، والستر شاهد للمرأة. وقد مر طرف من الكلام عند ذكر زياد بن عبد الرحمن من هذا الكتاب على الغاصب والمغصوب. وكان يحكم في الرجل يريد أن ينتقل عن الأندلس بعياله، إلى غيرها من عدوة البحر، فتأبى زوجته الخروج معه، لمكان البحر، وشدته على ركوبه؛ بأن له أن يخرجها، ويسيرها حيث شاء، إذا كان مأمونا في غيبته عليها. وكذلك كان يقول في الأب، إذا أراد أن يرتحل إلى بلده ليسكن فيه، فله أخذ بنيه، ولا يكلف بينة أنه قد استوطن وسكن مدة، لأنه لو تمكن أن يكلف الرجل ذلك فيها قرب، لم يتكلف فيما بعد: فقد يريد أن يرتحل من الأندلس إلى مكة أو مصر أو خراسان، وهذا مالا يستطاع إلا بذهاب المدد المتطاولة. وقد ذكر ابن الهندي في هذه المسألة وقال ما حاصله: فيجب على النظر أن يكون القول قوله في الانتقال للسكنى وفي الموضع الذي يريد أن يتخذه موطنا، مع يمينه على ذلك. والذي عليه العمل طلب الحاضن، أبا كان أو غيره، ثبوت الانتقال بماله، واستمرار استيطانه في البلد الذي ارتحل إليه. وذكر ابن مغيث أن أقل مدة الاستيطان ستة أشهر، وليس للأب فيما دونها أخذ الولد. ويذكر عن الفقيه أبي المطرف أنه كان يستحضر كتابي الموطأ والمدونة عن ظهر قلب حرفا حرفا ونصا نصا. وله مجموع نبيل في نوازل الأحكام، يقرب من مفيد ابن هشام، إلى جملة تقاييد في مسائل. وتوفي في رجب سنة 499.
مخ ۱۰۸