وَكَانَ فَقِيرا لَا يملك شَيْئا وقاسى فِي أَيَّام طلبه من الْجُوع والمكابدة مَا هُوَ مَشْهُور عَنهُ وبرع فِي سَائِر الْعُلُوم وحقق الْفُنُون وساد الاقران وسارت بفضله الركْبَان وَوَقع على تقدمه الاجماع وابتهجت بِذكرِهِ النواظر والأسماع وَصَارَ عُمْدَة يرجع إِلَى قَوْله وفتواه فِي زمَان مشايخه فَلَمَّا رأى شَيْخه أَبُو شكيل مَا آل إِلَيْهِ أمره اغتبط بِهِ وأحبه وخطبه لنكاح أبنته وزوجه اياها ورزق مِنْهَا أَوْلَادًا فضلاء نجباء سَيَأْتِي ذكر بَعضهم
وَكَانَ عَالما بالفقه والأصلين والفرائض والحساب وَالتَّفْسِير والْحَدِيث والنحو والتصريف واللغة وَعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان والهيئة والفلك وَغَيرهَا من الْعُلُوم الْمَشْهُورَة والفنون الْمَذْكُورَة وَكَانَ من الْعُلُوم بِحَيْثُ يقْضى لَهُ فِي كل فن بِالْجَمِيعِ وَكَانَ مهابًا حَتَّى أَن الْعَلامَة الصَّالح عفيف الدّين عبد الله بن عبسين كَانَ يَقُول اني لَا أَخَاف وَلَا أهاب أحدا من الْعلمَاء إِلَّا الْفَقِيه عبد الله أَبَا محزمه فَأَنِّي أكاد أرعد من هيبته وَكَانَ الْمُلُوك فِي زَمَانه يخضعون لَهُ ويخافونه وَكَانَ آمرًا بِالْمَعْرُوفِ ناهيًا عَن الْمُنكر لَا يُرَاعِي أحدا فِي دين الله وَلَا يخَاف فِي الله لومة لائم
وَكَانَ صَاحبه الإِمَام الْوَلِيّ جمال الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل كثير التعضيم لَهُ وَبَلغنِي أَن الْفَقِيه ﵀ سُئِلَ أَي أعلم أَنْت أم الْفَقِيه مُحَمَّد فَقَالَ أَنا أعلم مِنْهُ وَهُوَ أورع مني أَو قَالَ ادين مني
وَكَانَ الشَّيْخ عَليّ بن طَاهِر أول مُلُوك الْيمن من بني طَاهِر كثير التَّعْظِيم لَهُ والاغتباط بِهِ والامتثال لأَمره والانقياد لَهُ والتأدب مَعَه وَلم يزل بِهِ حَتَّى ولاه الْقَضَاء بعد على كره مِنْهُ بعد أَن شَرط عَلَيْهِ شُرُوطًا وفى لَهُ بهَا فباشر الْوَظِيفَة بنزاهة تَامَّة وصدع بِالْحَقِّ وَإِقَامَة الْعدْل واجتهاد فِي إِيصَال الْحُقُوق واغلاظ للظلمة من الْأُمَرَاء والوزراء وَغَيرهم وقمعهم عَن الظُّلم وتحكيم الشَّرْع فيهم فَمَكثَ على ذَلِك نَحْو سنتَيْن أَو سنة وَنصف ثمَّ هرب من الْبَلَد على حِين غَفلَة من أَهلهَا وَركب الْبَحْر إِلَى الشحر ثمَّ إِلَى بَلَده الهجرين فِرَارًا من الْقَضَاء وحذرًا من فتنته فعفاه السُّلْطَان مِنْهُ وعول عَلَيْهِ فِي الرُّجُوع مكرمًا من غير قَضَاء فَرجع
1 / 31