تاریخ ناپلیون بوناپارت
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
ژانرونه
ذهب صوت كارنو أدراج الرياح، واندفعت مجالس الدولة الكبرى نحو الحكم المطلق،
2
حتى إن قدماء مجلس الشعب استحالوا جميعهم إلى متملقين، وقد ضربوا بمبادئهم عرض الحائط، وتناسوا اللهجة التي اتخذوها قبلا. أما القواد الجمهوريون فقد أذعنوا إلى سلطان الظروف كما أذعن ممثلو الشعب القدماء ... وظلوا أوفياء للثورة، وقد آلوا على نفوسهم أن يخدموها بشكلها الجديد؛ لأنهم رأوا فيه ضمانا ثابتا يؤكد لهم ثبات رقيهم. وثاني يوم صعود بونابرت إلى عرش الإمبراطورية دعا إليه رفاق الحرب الممتازين وأسبغ على كل منهم لقب مرشال وهم: برتيه، مورا، مونسي، جوردانس، ماسينا، أوجرو، برنادوت، سول، برون، لان، مورتيه، ناي، دافو، بيسيير، كلليرمان، لوفيبفر، بارينيون وسيروريه. أما الشعب فلم يعز الجحود إلى هؤلاء الجنود الجمهوريين عندما رآهم يقبلون لقبا يذكر بالحكم الإقطاعي، بل إن، بالعكس، اعتبر ذلك إكراما جديدا لمبادئ المساواة التي كانت عزيزة عليه. وأما نابوليون فلم يلبث أن كلل فاتحة أعماله بالصفح عن السيد ده ريفيير والسيد ده برلينياك اللذين اتهما بالخيانة وحكم عليهما حكما صارما. وبدل بحكم النفي المؤبد، الذي صدر بحق الجنرال مورو، سنتي حبس لا غير لاشتراكه في مؤامرة جورج كادودال، الذي نفذ فيه وفي أتباعه حكم الموت الصادر في العاشر من حزيران سنة 1804. ولم يقف كرم نابوليون عند هذا الحد بل شمل لاجوله، وبوفه ده لوزيير، وروشيل، وغايار، وروسيون، وشارل دوزيير وهم من أتباع جورج كادودال. أما بيشاغري فقد توقع الحكم بالإعدام وهو في سجنه فخنق نفسه بربطة قميصه. ولقد ظن البعض أن الإمبراطور هو الذي أصدر أمره بتعجيل موت بيشاغري. قال نابوليون: «إن رجلا مثلي لا ينهج منهجا كهذا بلا سبب هام. أرآني أحد أهرق الدم عن رغبة في النفس؟ لا، إنما بيشاغري وجد نفسه بلا نصير، ولم تقو روحه القوية على تحمل فضيحة العذاب، وكأنه يئس من صفحي أو عف عنه فمنح نفسه الموت.» (عن المذكرات).
ولكن بينما كان الأمراء الذين سلحوا ذراع جورج كادوداك وجروا بيشاغري إلى خيانة جديدة يكظمون، في الأرض البريطانية الخجل لإعطاء الصولجان للرجل الذي حاولوا اغتياله بالخناجر، كان الوهم يصور لزعيم أسرة البوربون، المعتزل في فارسوفيا، أن الواجب يقضي عليه بإذاعة نشرة يحمل بها على فتوى مجلس الشيوخ التي أسست سلالة رابعة. كان فوشه
3
أول من اطلع على هذه النشرة فخف بحملها إلى الإمبراطور معتقدا أن نابوليون يكافئه على غيرته وعنايته ويفوض إليه الأمر الصارم بمنع انتشارها في فرنسا. كان الأمر على غير ما ظن فوشه؛ إذ إن نابوليون أخذ النشرة فقرأها وأرجعها إلى الوزير قائلا ببرودة: «إن حقي إنما هو في إرادة الشعب، وما زال السيف في يدي لا أعدم سبيلا إلى تأييده. يجب على البوربونيين أن يتأكدوا أني لا أخشاهم؛ إذن فليدعوني هادئا. تقول إن بلهاء ضاحية سن جرمان يريدون أن يدوروا بنسخ احتجاج الكونت ده ليل؟ وأي بأس في ذلك؟ فليقرءوها كما يشاءون. فوشه، أرسل هذه إلى الجريدة الرسمية، أريد أن تصدر غدا.» ولما كان غد، أول تموز، نشر المونيتور احتجاج لويس الثامن عشر.
بعد بضعة أيام جاء عيد الاستيلاء على الباستيل، فعرف نابوليون أن يستولي على ذكريات 14 تموز ليربطها بالتنظيمات التي أسسها، واختار هذا اليوم نفسه لتوزيع أوسمة جوقة الشرف وسماع قسم أصحاب الأوسمة. جرى الاحتفال في الأنفليد.
4
اتجه الكردينال ده بللوي أسقف باريس، على رأس إكليروسه؛ ليستقبل الإمبراطور على باب الكنيسة. وكان نابوليون مصحوبا بكبراء الأمة وموظفيها العظام. وبعد الاحتفال الإلهي قام لاسيبيد، كبير مهردارية جوقة الشرف، ولفظ خطبة نجتزئ منها هذا المقطع: «لقد نال الشعب اليوم بإرادته كل ما تمناه في الرابع عشر من تموز عام 1786، إنه فتح حريته، وهي مؤسسة على قوانين ثابتة، إنه رغب في المساواة، وهي مصانة بحكومة هي أساس لها ... رددوا هذه الكلمات التي سبق لها أن قيلت في هذه الحظيرة وستدوي حتى أطراف الإمبراطورية! كل ما وطد في 14 تموز هو راسخ لا يتزعزع، وكل ما هدمته الإمبراطورية لا يعود.»
وعندما انتهى لاسيبيد من خطبته دعا ضباط الجوقة العظام كلا باسمه وكان بينهم الكردينال كابرارا. أما الإمبراطور فقد تزيا بزي ملوك فرنسا، وفي وسط السكون العميق، وتأمل الجمع الديني، رفع صوته وقال: «أيها القواد، والضباط، وأعضاء جوقة الشرف، أيها المواطنون والجنود، إنكم تقسمون على شرفكم أن تتفانوا في خدمة الإمبراطورية والمحافظة على أرضها، إنكم تقسمون أن تدافعوا عن الإمبراطور، وشرائع الجمهورية والمزايا التي أثبتتها، إنكم تقسمون أن تحاربوا كل مشروع يحاول إعادة السياسة الإقطاعية بجميع الوسائل التي يسوغها الحق والعقل والشرائع، وأخيرا تقسمون أن تبادروا بكل قواكم إلى صيانة الحرية والمساواة اللتين هما الأساس لتنظيماتنا، إنكم تقسمون.»
ناپیژندل شوی مخ