تاریخ ناپلیون بوناپارت
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
ژانرونه
لم يكد بونابرت يصل إلى ذلك المركز العظيم حتى قدر له أن يتملص من سياييس الذي ترك نفسه ينهمك بإمهار وطني، وأتيح له أيضا أن يعزل روجرديكو الذي وجد لنفسه ملجأ في مجلس الشيوخ، واتخذ له رفيقين جديدين هما لوبرون وكمباسيريس.
كانت أولى أعمال القنصلية أعمالا إصلاحية. فإن قانون الرهائن والقرض الجبري أبطل، ناب التساهل عن الاضطهاد، وسمحت الفلسفة المتربعة على قمة السلطة أن يسترجع المؤمنون كهنتهم ويرفعوا معابدهم، وعاد المهاجرون والمضطهدون جميعهم إلى وطنهم، وقدر لكارنو أن ينتقل من المنفى إلى جمعية العلماء فالوزارة.
بقي بونابرت في عهد حكمه الأول، في حين كان لا يزال ساكنا في لوكسانبرج، محتفظا بذوقه البسيط وعاداته الفطرية التي لم تستطع ساحات الحروب أن تفقده إياها. كان زاهدا في الأكل، إلا أنه كان يشعر بأنه سيصبح أكولا كبيرا ويزول سقمه ليحل محله السمن. ربما كان للاستحمام بالماء الساخن الذي كان يستعمله كثيرا تأثيره على هذا التغيير الأخير. أما النوم فلم يكن يأخذ منه غير سبع ساعات في اليوم، وكان يوصي دائما بأن لا يوقظه أحد إلا إذا كان هناك أمر مكدر، قال: «إذا كان هناك أمر مفرح فلا حاجة للعجلة، وأما إذا كان الأمر مكدرا فيجب أن لا تضيع دقيقة واحدة.»
كان يستقبل جميع كبراء العصر، بالرغم من الحياة المدنية المتوسطة التي كان يسلكها في قصره القنصلي، وكانت جوزيفين تقوم بالواجبات التشريفية بظرافة سيدة كبيرة من سيدت تلك المجتمعات الفرنسية القديمة.
كان القنصل الأول كثيرا ما يرى مستغرقا في تأملاته وأحلامه فلا يشترك إلا نادرا بالمطارحات اللطيفة في تلك الحلقة اللامعة التي بدأت تتألف في قصره إلا أنه كان أحيانا ينفض عنه ثوب التفكير فيبرهن بعذوبة عباراته، وطلاقة لسانه، وجاذبية بيانه أنه لا ينقصه ليكون رجلا لطيفا، قريبا من القلب إلا أن يريد. ولكن كان يريد ذلك نادرا؛ ما جعل النساء يأسفن لهذا النقص في الإرادة، وكان بونابرت مع حدة مزاجه وسرعة غضبه يخفي نفسا تتدلف بسرعة إلى أرق العواطف وأعذب التأثيرات؛ فبقدر ما هو عبوس وصارم غضوب وفظ، لا يعرف الرحمة قلبه في مشاغله السياسية، وبقدر ما هو وديع وألوف حنون وساذج في العلائق الودية في حياته الساكنة. وبرهانا على ما سردناه الآن من صفات قلبه ننقل فقرة من كتاب أرسله في عام 2 إلى أخيه جوزيف، قال: «إنك تعرف جيدا يا صديقي في أي موقف كنت. إنك لا تستطيع أن تقع على محب أخلص مني يتمنى لك سعادة أكثر من السعادة التي أتمناها لك ...
إن الحياة إنما هي حلم خفيف يتبدد بسرعة، فإذا كنت عازما على السفر وتعتقد أن سفرك يطول فأرسل إلي رسمك. إننا عشنا سنوات عديدة جنبا إلى جنب، حتى إن قلبينا اتحدا معا فأصبحا قلبا واحدا. إني أشعر وأنا أكتب إليك بعاطفة لم أشعر بمثلها من قبل، ويخيل إلي أن فراقنا سيطول، وأحس أني لا أقوى على إنجاز رسالتي ...»
كان نابوليون يقول، وهو منهمك في أشغاله السياسية، إنه لا يحب أحدا؛ ذلك لأنه لم يكن منحازا بعاطفة لكائن من كان، إلا أنه إنما كان يترك الطبيعة تستعيد حقوقها في خارج السياسة، ولقد رئي يلطف غبطة النصر وسكرته في ساحات الحروب نفسها، بالرجوع إلى عواطف كان من حق المهنة الحربية أن تخنقها. ذات يوم، بعد موقعة هائلة من مواقع إيطاليا، كان مارا مع معسكره بين القتلى والمجاريح، فأبصر فجأة كلبا ينوح بالقرب من جثة جندي نمسوي، فقال نابوليون لجنوده: «انظروا أيها الأسياد، فهذا الكلب يعطينا مثلا في الإنسانية.» ولكن، مهما كانت العاطفات التي تمكنت من نفس بونابرت والتي هي أساس الفضائل والسعادة، ومهما كان الجزاء الذي علقه على تلك السعادة؛ فإنه مدين بتضحيته لمجد الشعب الذي جعل نفسه ممثله الوحيد، وإننا لنكرر قولنا: إنه، بالرغم من أن التنظيم الجديد قد عهد بالسلطة التنفيذية إلى ثلاثة قناصل فإن الجميع يدركون أن الحاكم إنما هو واحد لا غير، وأن كمباسيريس ولوبرون إنما هما أقرب إلى شاهدين منهما إلى رفيقين لبونابرت، كان من حق القنصل الأول أن يقوم بأي عمل كان، وكان تالليران قد شعر بذلك قبلا، فعندما رقي إلى منصب وزير للأشغال الخارجية قال له: «أيها القنصل المواطن، لقد عهدت إلي بوزارة الأشغال الخارجية وسأحقق ثقتك، إلا أني أعتقد أنه من الواجب علي أن أصرح لك من الآن بأني لا أريد أن أعمل إلا معك، ليس هناك تشامخ باطل مني، فأنا أكلمك لفائدة فرنسا، فلكي يكون حكمها عادلا، لكي يكون العمل موحدا، يجب أن تكون القنصل الأول، وأن يكون في يد القنصل الأول كل ما من شأنه أن يتعلق رأسا بالسياسة، يعني وزارتي الداخلية، والشرطة للأشغال الداخلية، ووزارتي للأشغال الخارجية، وبعد ذلك الوسيلتان الكبريان للتنفيذ؛ الحربية والبحرية. ويجب إذن أن تعمل هذه الوزارات الخمس معك وحدك. أما إذا شئت، يا حضرة القائد، أن أقول فإني أضيف أنه يصلح أن يعطى القنصل الثاني حق وضع يده على العدلية، وأن يعطى الثالث حق وضع يده على المالية؛ عند ذلك يتاح لك، يا حضرة القائد، أن تصل إلى الغاية النبيلة التي تقصدها وهي تجديد فرنسا.»
وبعد أن خرج الوزير من عنده التفت بونابرت إلى كاتم أسراره قائلا له: «أتعرف أن تالليران حسن الرأي؟ إنه لرجل كبير الإحساس ... ولقد أثر بي، وإني لأرغب في عمل ما نصحني به، لقد أصاب في قوله: إن من يمشي وحده يمشي بسرعة. إن لوبرون رجل شريف ولكنه لا يحمل سياسة في رأسه؛ فهو يجيد تأليف الكتب. وكمباسيريس مفعم رأسه بسنن الثورة. فيجب أن يكون حكمي حكما جديدا.»
كان يجب أن يفهم الجميع هذا الخلق المجدد؛ لأن أصدقاء الثورة من جهة كانوا يهتفون بصوت واحد للحكومة القنصلية بالرغم من أنها شيدت على أنقاض نظام عام 3 الجمهوري؛ ولأن الشعب المائل إلى القاعدة القديمة كان يرفض اتحاده بالسلطة الجديدة بالرغم من أنها وسمت استقرارها بسمة الحكمة والإصلاح.
خشي القنصل الأول أن يضرم هذا الإصرار الحرب الأهلية في الجهة الغربية؛ فوجه أولا إلى سكان تلك الجهات نداء ليحذرهم من تحريض عملاء إنكلترا. فصادفت هذه التنبيهات المدعومة بجيش مؤلف من ستين ألف رجل نتائج حسنة واستدركت انفجارا عموميا. على أن الزعماء الملكيين الراسخين في استمرارهم وحججهم الشخصية وتنشيط المداولة الأوروبية بقوا مستعدين على إعادة القتال. أما بونابرت الذي لم يكن يستطيع أن يتخذ من هذا القبيل لهجة عدم التعصب التي اتخذها في كل خطبه، فقد وصف بحماسته المعهودة المعاندين الذين حركوا التمرد الملكي، وذلك في منشور أذاعه فيهم وقفهم فيه لاحتقار الأمة وانتقام الجيش. ففهم الملكيون أن وقت الحروب الأهلية قد فات، وأنه لم يبق سبيل لشهر الوقائع ضد ممثل الثورة الجديد فاضطروا أن يذعنوا إلى إغلاق تاريخ الفانده.
ناپیژندل شوی مخ