تاریخ ناپلیون بوناپارت

الفونس دو لامارتین d. 1366 AH
171

تاریخ ناپلیون بوناپارت

تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١‎‎

ژانرونه

الفصل الثاني والعشرون

وصل الإمبراطور إلى أبواب باريس في مساء عشرين آذار، وكان العلم المثلث الألوان يخفق على التويلري منذ الساعة الثانية بعد الظهر، أما الذي رفعه فقد كان أكسلمان الباسل.

تحفل الشعب والجيش حول نابوليون وتهافتا إليه كما جرى في غرونوبل. وفي نحو الساعة التاسعة من المساء، عندما دخل إلى التويلري، استقبله جمع من الضباط وقد تراموا عليه بحماس وشوق حتى اضطر أن يقول لهم: «إنكم تخنقونني!» أما السيد ده مونتاليفه، الذي خدمه بإخلاص ونشاط في عهد النعمة وبقي وفيا له في العهد المشئوم، فقد جاء لملاقاته وأخذه بين ذراعيه، ثم حمل الإمبراطور إلى إحدى الغرف، حيث كانت تنتظره الملكة هورتانس مع عدد غفير من موظفي الإمبراطورية القدماء.

وفي اليوم التالي استعرض الإمبراطور جميع كتائب العاصمة، وقال لها: «أيها الجنود، لقد جئت إلى فرنسا مع تسعمائة رجل لأنني كنت أتكل على محبة الشعب وتذكار الجنود القدماء، فلم يخدعني انتظاري! إن مجد الأعمال التي قمنا بها إنما جميعه للشعب ولكم!

أيها الجنود، إن عرش البوربونيين لغير شرعي؛ لأنه رفع على أيد غريبة؛ لأن أماني الأمة التي عبرت عنها جميع مجالسنا الوطنية قد طاردته؛ ولأنه لم يضمن إلا مصالح فئة قليلة من الرجال المتصلفين الذين خالفت مزاعمهم حقوقنا. إن العرش الإمبراطوري يستطيع، وحده، أن يضمن حقوق الشعب، ويؤيد الصالح الأول وهو مجدنا.

أيها الجنود، سنزحف لنطرد من الحدود هؤلاء الأمراء الغرباء؛ أما الأمة فستدعمنا، ليس بأمانيها فحسب، بل بالحث والتحريض. إني والشعب الفرنسي، نتكل عليكم، لا نريد أن نتحكم في شئون الأمم الغريبة، ولكن الويل لكل من يريد أن يتحكم في شئوننا!»

تلقى الجنود هذه الخطبة، بمثل الحماس الذي تعودوا أن يبدوه لدى خطب نابوليون، ودوى الفضاء بهتاف «ليحي الإمبراطور!» وإذا بكتيبة جزيرة ألبا ظهرت، يقودها كامبرون، الذي لم يتح له أن يصل إلى باريس في الوقت الذي وصلها به الإمبراطور. عندما أبصر نابوليون هذا المشهد صرخ قائلا: «هؤلاء هم ضباط الكتيبة التي صحبتني في أيام الشقاء. إنهم أصدقائي جميعا، ولقد كانوا أعزاء على قلبي! كنت كلما رأيتهم، تتمثل لي جحافل الجيش في مختلف ألوانها؛ إذ إن بين هؤلاء البواسل الستمائة رجالا من جميع الجحافل، كانوا يذكرونني جميعهم بتلك المواقع الخالدة الطيبة الذكر؛ إذ إنهم جميعا يحملون جراحات شريفة أصيبوا بها في تلك المواقع المجيدة! أما إذا أحببتهم، فإني إنما أحب فيهم بسالتكم وإخلاصكم يا جنود الجيش الفرنسي. إنهم يحملون إليكم النسور! فلتكن هذه الأعلام صلة المجد بينكم جميعا!

لقد ألقت علينا الخيانات والظروف وشاحا أسود! ولكنها عادت اليوم إلى التألق بمجدها القديم، بفضل الشعب الفرنسي وفضلكم. أقسموا أنها ستكون دائما حيث يكون صالح الوطن! أقسموا أن الخائنين، والذين يريدون أن يغيروا على أراضينا، لن يستطيعوا يوما أن يتحملوا نظراتها!»

فأجاب الجنود: «نقسم!» وفي حين كانوا يمرون أمام الإمبراطور، كانت الموسيقى تعزف لحن الثورة: «لنسهر على سلام الإمبراطورية!»

كان الشقاء والبوربونيون قد وفقوا بين نابوليون والديموقراطية، التي قاست أكثر من مرة سقوطها في عهد الإمبراطورية، ولكي يجعل الإمبراطور هذا التوفيق أكثر ثباتا، أعطى كارنو وزارة الداخلية، ودعا بنجمان كونستان إلى مجلس الشورى؛ ما دل على اعترافه بسلطة الرأي العام، ونزوله على التحريض في سبيل الحرية الذي كان يمثله، في أشكال مختلفة، هذا الرجلان العظيمان. ولقد تحدث نابوليون إلى بنجمان كونستان عن طابع السياسة الجديدة التي ود أن يتخذها، ومن غير أن يعدل عن الأفكار التنظيمية، أو يظهر استعداده إلى تشجيع التذكارات الديموقراطية التي اشتركت في إرجاع العرش إليه، صرح بأنه ينزل عند مطاليب الشعب حتى وعند أهوائه أيضا، وأنه سيسير في الطريق التي تنقاد فيها الأفكار. نعرب هنا فقرة من هذا الحديث، الذي خرج من فم نابوليون، وأبقاه الكاتب الكبير الذي وجه إليه، قال: «لقد استراحت الأمة اثنتي عشرة سنة من أية حركة سياسية، ولقد مضى عليها سنة كاملة وهي مستريحة من الحرب، فهذه الراحة المزدوجة جعلتها بحاجة إلى النشاط. إنها تريد، أو يخيل إليها أنها تريد حكومة ومجالس، سوى أنها لم ترد ذلك قبل الآن. لقد ترامت على قدمي عندما وصلت إلى الحكم، ويجب أن تذكر ذلك أنت الذي حاول الاعتراض. أما الرغبة في التنظيمات، والمباحثات، والخطب فقد ظهر لي أنها تعود ... إلا أن الذي يريدها إنما هو الأقلية فقط، فلا تخطئ؛ لأن الشعب أو الجمهور، إذا أردت، لا يريد سواي. أو لم تشاهد ذلك الجمهور يتحفل حولي، وقد تهافت إلي من أعالي الجبال، مناديا بي، باحثا عني، محييا إياي؟ لست كما قيل عني إمبراطور الجنود فحسب، بل أنا إمبراطور الفلاحين والسوقة وفرنسا ... ثم إنك لترى، بالرغم من الماضي ، ذلك الشعب الكريم عائدا إلي، ذلك لأن ثمة جاذبية بيننا! ... وما علي إلا أن أعمل إشارة أو أن أحول نظري حتى تجد الأشراف وقد ذبحوا جميعا في جميع المقاطعات، ولكني لا أريد أن أكون ملك المذابح! لقد أردت إمبراطورية العالم، ولذا كنت بحاجة إلى سلطة لا حد لها، أما إذا شئت إمبراطورية فرنسا وحدها، فقد تكفي لذلك شريعة أو سنة ... هات أفكارك لأرى. انتخابات حرة؟ وزراء مسئولون؟ الحرية؟ أريد جميع ذلك ... لا سيما حرية الصحافة ... فأنا رجل الشعب؛ وإذا رغب الشعب في الحرية فأنا مدين له بها، لقد اعترفت بسلطته، إذن فيجب علي أن أصغي إلى إرادته حتى وإلى أهوائه. لم تحدثني نفسي يوما بأن أرهقه في سبيل ملذاتي، لقد كان لي مقاصد كبيرة إلا أن الحظ قضى عليها، فلم أبق ذلك الفاتح، ولم أبق أستطيع أن أكونه؛ وجل ما أرغب فيه هو أن أعلي شأن فرنسا وأعطيها حكومة توافقها ... لا أمقت الحرية قط، أما إذا نحيتها في الماضي، فلأنها كانت تقف في طريقي، ثم إن أعمال السنين الخمس عشرة قد تهدمت، ولم يبق سبيل لترميمها إلا إذا ضحي بعشرين سنة وبمليونين من الرجال ... بيد أني أرغب في السلام، ولا سبيل إليه إلا بقوة الانتصارات، وإني لأتنبأ عن حرب طويلة يجب أن تدعمني الأمة فيها.»

ناپیژندل شوی مخ