تاریخ ناپلیون بوناپارت
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
ژانرونه
ليس بوسعي أن أعانقكم جميعا، إلا أني سأعانق قائدكم ... اقترب يا جنرال ... (يضم الجنرال بتي بين ذراعيه) جيئوني بالنسر! ... (يقبله). أيها النسر المحبوب! ألا فلتدو هذه القبلات في قلوب جميع البواسل! ... وداعا يا أولادي! ... فستتبعكم تمنياتي إلى حيث تكونون، حافظوا على تذكاري.»
عند هذا تصاعدت الزفرات من صدور الجنود، وتساقطت الدموع من جميع الأعين المحيطة به؛ أما هو فسلخ نفسه عن هذا المشهد المؤلم وقفز إلى مركبة كان فيها الجنرال برتران . توارى نابوليون عن فونتنبلو يصحبه المرشال الكبير والقائدان دروو وكامبرون وبعض الذين أرادوا أن يشتركوا في إخلاص هؤلاء المحاربين البواسل. كان نابوليون يسمع أينما وصل هتاف «ليحي الإمبراطور!» متصاعدا في طريقه، فيتفطر ويدب العزاء في قلبه، وكأنه فهم أن الشعب، بالرغم من سقوطه، لا يزال متعلقا به، فقال في نفسه: «لن يقوى البوربونيون أن يمحوا في فرنسا عبادة اسمي!»
التقى الإمبراطور، بين ليون وفالنس، بالمرشال أوجرو، الذي كان قد تناوله بفلتة لسانه في إحدى خطبه؛ إذ قال: «إن نابوليون لم يعرف أن يموت كجندي!» ولكن الإمبراطور الذي كان يجهل تلك الإهانة المضحكة التي وجهها إليه رفيقه في معركة أركول نزل من مركبته ليعانقه، فلما دنا منه نزع قبعته عن رأسه، في حين أن المرشال تكلف إبقاء قبعته مدة المقابلة حتى في ساعة التوديع أيضا. وبعد مرور ساعة من الزمن، أبصر نابوليون في طريقه بعض شرذمات من فرقة أوجرو حيته التحية التي كانت تقوم بها وهو على العرش، وقال له بعض جنودها بصوت عال: «مولاي، إن المرشال أوجرو باع جيشك!»
اضطر نابوليون أن يتجنب المرور في أفينيون التي هيج فيها العصاة، الذين قتلوا المرشال برون قبل سنة، تمردا في الأفكار ينبئ عن مقصد مشئوم! وفي مساء السادس والعشرين وصل إلى مقربة من لوك، فبات ليلته عند أحد أعضاء الفرقة التشريعية، ولما كان من غد واصل سيره إلى فريجوس، فأقام أربعا وعشرين ساعة بهذه المدينة، ثم أبحر إلى جزيرة ألبا في الساعة الثامنة مساء.
يا للمطابقة الغريبة بين وجوه حياة البطل العظيم التي تدهش أحيانا في تباينها! لقد رأته فريجوس، لدى عودته من مصر، وقد واكبه مارمون ومورات وبرتييه وغيرهم، مبحرا إلى فرنسا لينزع السلطة السامية من ممثليها ويضع أساس إمبراطورية رحبة عظمى، ورأته بعد خمس عشرة سنة، وقد جرده الغرباء من تلك السلطة، مبحرا من فرنسا لا ليتولى زمام أمة كبيرة، أو ليحاول أن يقبض على ناصية أعظم عرش في العالم، بل لينزوي في أعماق جزيرة صغيرة من جزر البحر المتوسط ، وقد خانه أو تخلى عنه رفاقه القدماء وأقرباؤه. خانه مورات ومارمون، وتخلى عنه برتييه وغيره! ... هكذا شاءت الحكمة العلياء، والله لا يجري شيئا من غير تدبير! فلنترك عظمته تعمل ما بدا لها!
في الثالث من شهر أيار، في اليوم نفسه الذي وصل فيه لويس الثامن عشر إلى باريس، حل نابوليون في مرفأ بورتو-فراجو، فخف كبار موظفي جزيرة ألبا لتحية سيدهم على الباخرة الإنكليزية التي أقلته، وفي اليوم التالي نزل الإمبراطور إلى اليابسة فحيته مائة مدفع ومدفع، وأسرع لملاقاته جميع الأهلين يتقدمهم المجلس البلدي والإكليروس.
شرع نابوليون يهتم بتنظيم دوائر الجزيرة كأن إقامته بها ستطول كثيرا، وكأن نشاط نبوغه لن يضجر في محيط ضيق كهذا، ثم جد في درس منتوجات الأرض ومصادر الصناعة، وطاف جميع جهات الجزيرة مهيئا في كل مكان معدات لتحسين هام. وفي السادس والعشرين من شهر أيار وصل كامبرون مع بسلاء الحرس القديم، الذين شاءوا أن يشاطروا الإمبراطور منفاه، وما هي إلا أيام حتى قدمت الأميرة بولين والسيدة ليثيثيا إلى جزيرة ألبا وعزمتا ألا تفارقا نابوليون بعد.
كان نابوليون ينتظر بفارغ صبر وصول أنباء من فرنسا، ومثلما كان في الماضي يطالع جرائد أوروبا بلهف عظيم، وهو على شواطئ النيل؛ ليعلم هل حان الوقت لعبور البحر والذهاب إلى فرنسا لقلب «الديركتوار»،
6
مجلس الشعب، هكذا اليوم فإنه يطالع الصحف اليومية ليعلم كيف تتحمل الأمة الفرنسية الغرباء والبوربون، وكيف ينهج البوربون والغرباء مع الأمة الفرنسية، أما من جهة التجاديف اليومية، التي كانت الجرائد توجهها إليه، فلم يكن يعيرها اهتماما كبيرا. قال ذات يوم للجنرال برتران الذي جاءه بالصحف الفرنسية: «أتراني ممزقا اليوم؟» فأجابه المرشال الكبير: «لا يا مولاي، فليس لجلالتك ذكر اليوم.» فقال نابوليون: «إذن فإلى الغد، إنها لحمى متقطعة ستزول قريبا.»
ناپیژندل شوی مخ