تاریخ ناپلیون بوناپارت
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
ژانرونه
زحف نابوليون لملاقاة الإسكندر وملك بروسيا، فاغتصب معابر بوهيميا واستولى على كوبل ورمبرج وجور جنثال، وبعد أن دنا إلى مسافة عشرين ميلا من براغ، عاد إلى زيثو ليلحق بجيش السيليزي. في الواحد والعشرين، وصل إلى لوونبرج صباحا فألقى جسورا على نهر بوبر وعبره، بالرغم من نيران العدو الذي قهره وطارده إلى كولدبرج. وفي الثالث والعشرين جرى قتال جديد؛ فإن الجنرال جيرار شتت شمل كتيبة مؤلفة من خمسة وعشرين ألف بروسياني، وما هي إلا مدة قصيرة حتى انهزم الحلفاء أمام الكتيبة المائة والخامسة والثلاثين، إلا أن جميع هذه الانتصارات لم تؤثر على تقدم جيش بوهيميا الكبير الزاحف إلى عاصمة السكس زحفا هائلا.
عندما علم نابوليون بحركة جيش بوهيميا، ترك قيادة جيش السيليزي للمرشال ماكدونالد، وأسرع مع ناي لنجدة دريسد. أيصل في الوقت المعين؟ كانت المدينة مزنرة بكتائب لا يحصى عددها تعبر من جميع الجهات لسحق الجيش الضعيف الذي يقوده المرشال سن سير. في تلك الآونة كان الملك المسن شاخصا من نوافذ قصره إلى خرائب القرى الجميلة التي تحيط بعاصمته، وقد مزج أحزانه وآلامه بالحزن والألم اللذين سببهما انكسار كتائبه. كان كل شيء يبشر بأن دريسد ستقع في قبضة الجيش النمسوي-الروسي، وأن المرشال سن سيرلن يستطيع أن يقاوم طويلا بعد في شوارتزنبرج.
ولكن ظهر نابوليون فجأة؛ في السادس والعشرين، الساعة العاشرة صباحا، اجتاز الإمبراطور جسر دريسد على صهوة جواده تتبعه كتائبه الباسلة، فعادت الآمال إلى الصدور وأشرقت الوجوه ببريق من القوة كأن شعب دريسد قرأ على هذه الأسرة الحربية دلائل السلام والراحة. وأول ما قام به نابوليون أنه صعد توا إلى القصر وطمأن الأسرة المالكة التي كانت تفكر في الهرب، ثم خرج من القصر وملء رغباته، أن يعرف بنفسه، كم هو عدد الأعداء، وما هو مركزهم وحركاتهم، فمشى مسرعا لهذه الغاية إلى أحد أبواب المدينة.
في الساعة الواحدة وصل نابوليون إلى أطراف ضاحية بيلنيتز، وفي الساعة الثالثة أعطيت إشارة القتال بثلاث إطلاقات من مدافع الجيش النمسوي-الروسي فهب العدو الكامن على جميع المرتفعات المزنرة بها المدينة ووثب إلى السهول صارخا: باريس! باريس! إلا أن الجندي الفرنسي ما لبث أن أشعر بقوته وبسالته أمام إمبراطوره الحارس على شرف نسوره، فما هي إلا هنيهة حتى حمي وطيس المعركة وتساقطت القنابل على المدينة، عند هذا فهم نابوليون أن الوقت أصبح حرجا جدا، وأنه لا ينبغي أن يتهامل في إنقاذ عاصمة الحليف الوحيد الذي بقي له فأشار إلى مورات وخيالته بأن يهجموا على جناح العدو الأيمن، وإلى فرقة الدوق ده تريفيز بأن تهاجم الجناح الأيسر، ثم أشار إلى أربع فرق من الحرس الحديث يقودها قوادها البسلاء دوموتيه، باروا، ديكوز وروجه الذين وضعوا هم أنفسهم تحت أوامر أمير موسكووا الباسل بأن تمر من بابي بيزنا وبلوين.
غير ظهور هذين الصفين مشهد الحرب؛ إذ انحنى كل شيء أمام الحرس الحديث وتقهقر، وطورد العدو في جميع طرقه هاجرا السهول التي أغار عليها بحمية وبسالة؛ عند هذا صرخ أمير شوارتزنبرج قائلا: «الإمبراطور في دريسد! فلم يبق سبيل إلى الشك، ولا ينبغي لنا إلا أن نجمع بعضنا بعضا.»
لا نجد بدا هنا من اجتزاء فقرة صغيرة، وردت في قصة ما حدث في دريسد كتبها أحد السكسونيين، وهو الماجور أودلوبن، الذي شهد الموقعة بنفسه، قال: «اخترق نابوليون على جواده نيران الحرب تحت رذاذ من القنابل ليستولي على باب البحيرة وحاجز ليبوديسولد، وبعد أن توقف فترة من الوقت هجم إلى ساحة القتال! قتل أحد الضباط إلى جنبه وجرح كثيرون من معاونيه.»
لم يقف دوي المدافع إلا في الساعة التاسعة من المساء. أما نابوليون فبقي على صهوة جواده حتى الساعة الحادية عشرة يتفقد ساحات القتال، ويتعرف إلى مراكز العدو لكي يهيئ خططه لموقعة اليوم التالي. في منتصف الليل، دخل إلى القصر؛ إلا أنه قبل أن يأوي إلى سريره نادى إليه برتيه وأملى عليه أوامره، التي بلغت في الحال إلى جميع القواد، لكي يكون كل منهم على أتم الاستعداد. منذ الصباح كان الإمبراطور على جواده بالرغم من الوحول والأمطار، وما هي إلا بعض ساعات حتى نشبت معركة هائلة شوهد فيها مورات ممتشقا حسامه ووشاحه المزركش بالذهب يتطاير على كتفيه، وقد هجم بنفسه على فرقة المشاة النمسوية ... ومرت ساعات، وإذا بجناح الحلفاء الأيسر قد انسحق، وإذا بالجناح الأيمن قد انسحق أيضا. وفي الساعة الثالثة بعد الظهر كان نابوليون قد ربح موقعة دريسد، فخشي الأمراء المحالفون أن يفقدوا مواصلاتهم مع بوهيميا، فاضطروا أن يتقهقروا تاركين في قبضة المنتصر ثلاثين ألف أسير، وأربعين علما، وستين مدفعا.
أصابت القنبلة الأولى التي انطلقت من مدافع الحرس الإمبراطوري الجنرال مورو فجرحته جرحا مميتا، كأن السماء أبت على قاهر هوهنلندن أن يجسم جريمته وعاره في ساحات الحروب، فأوقفته عند حده في وسط الروسيين في أول موقعة عالج فيها حسامه الخائن في سبيل أعداء وطنه، عند هذا خيل لنابوليون أن العناية الإلهية قد رجعت إليه؛ إذ رأى الخيانة تطعن في صميمها وتعاقب في أحد أخصامها القدماء، ولكن ما خيل إليه وهم إنما هو سيزول قريبا، فهو ما لبث أن شعر بأن يدا تجرده من مركزه الأول وقد تنحى عنه الروح الحر الذي انتصب ضده في وسط الشباب الألماني؛ سينتهي الرجل السياسي في نابوليون. ولكن بما أن النبوغ سيبقى وفيا له، والشعب الفرنسي مجسدا فيه، سيهوي عن العرش من غير أن يهوي عن مجده، ويسقط من غير أن يقف عن الذهاب صعدا في سماء الأجيال.
إن قيصر روسيا وملك بروسيا وأمير شوارتزنبرج هربوا مرة أخرى من وجه نسر فرنسا حاملين معهم مورو يحتضر، إلا أن أحد قواد نابوليون الجنرال فاندام، الذي يتكل كثيرا على بسالة كتائبه وشجاعته الذاتية، حاول بقبضة من الجنود أن يقطع المرور عن جيش كامل، ويظهر أنه نسي ملاحظة الإمبراطور وهي «أنه يجب أن يبنى للجيش الهارب جسر من ذهب أو يشيد في وجهه حاجز من نحاس.» وذهب عنه أن القوة التي لديه عاجزة عن أن تشيد هذا الحاجز النحاسي فألقى بنفسه في مضايق كولم، وحاول أن يوقف هناك الجيش الكبير القهور في دريسد، ولكن بعد جهود عظيمة ومقاومة يائسة حملت العدو خسائر لا تحصى رأى القائد الفرنسي نفسه ملتويا تحت قوة الجيش الغفير فتوارى في المعركة وظن أنه قتل، وما هي إلا فترة من الوقت حتى أسرت فرقته بكاملها، وعلم بعد ذلك أنه هو نفسه سقط أسيرا في قبضة الجيش النمسوي-الروسي، فهذا الانكسار الذي كلف الجيش الفرنسي أكثر من عشرة آلاف رجل عكر موقعة دريسد.
زحف نابوليون إلى السيليزي تاركا جيش بوهيميا فالتقى بفرقة ماكدونلد على مرتفعات جبل هوشكيرش في الرابع من شهر أيلول. وفي اليوم نفسه قاتل الجيش العدو فهزمه من مرتفعات جبل وولنبرج وطارده طوال نهار اليوم الخامس حتى أوصله إلى كورليتز، وفي اليوم السادس عاد إلى دريسد، على أن المرشال أودينو لم يكن حظه في زحفه إلى برلين أسعد من حظ ماكدونلد في السيليزي، فلقد قوتل في كروس برن في الرابع والعشرين من شهر آب، وناب عنه المرشال ناي الذي، بعد أن انتصر بعض انتصارات في اليوم الخامس من شهر أيلول، أصيب في اليوم التالي بكسرة فظيعة في جوتربوك حيث قاتله برنادوت وبولوف.
ناپیژندل شوی مخ