ولكن أهل بريدة وعنيزة وتوابعهما من القرى لم يقبلوا بالسيادة أو بشبه السيادة التركية، فأرسلوا إلى ابن سعود يستشيرونه في المقاومة. وكان فيضي باشا قد أرسل رسولا إلى الرياض يقول: إن الدولة لا تبغي محاربة أهل نجد وإنه جاء مسالما. ثم أرسل إلى ابن سعود في العماد يؤمنه قائلا: إنني لا أريد إلا السلم ولست محققا مقاصد ابن الرشيد. وقد سأله أن يلزم مكانه ويرسل أباه عبد الرحمن ليوافيه إلى عنيزة للمفاوضة. فقبل عبد العزيز بذلك وأمر الناس بأن يخلدوا إلى السكينة، فلا يأتون عملا عدائيا أثناء المفاوضات.
ركب الإمام عبد الرحمن من شقرا إلى عنيزة وسار فيضي باشا جنوبا فنزل على مقربة منها، وقد تواجه الاثنان في المدينة، فطلب المشير أن يكون للدولة مركزان عسكريان الواحد في بريدة والثاني في عنيزة، وذلك مؤقتا إلى أن يتم الصلح بين ابن سعود وابن الرشيد، ولكن أهل المدينتين إلا صالح الحسن وأتباعه رفضوا هذا الطلب ، فرأى الإمام أن يقبلوه مؤقتا، وأقنعهم بذلك.
وكادت تتم المفاوضات على هذه الصورة لو لم تحل دونها حوادث صنعاء اليمن. فقد كان الإمام يحيى الشاب وعربانه قد شدوا نطاق الحصار على المدينة هناك، وفيها ستون ألفا من الترك العسكريين والمدنيين، وليس عند الدولة قريبا من مكان النكبة أقدر وأشجع من فيضي باشا يوكل إليه إنجاد أبنائها المشرفين على الموت؛ لذلك صدر الأمر إلى أحمد فيضي بالإسراع إلى اليمن، فترك القصيم ومشاكله لصدقي باشا يحلها بالتي هي أحسن.
تولى صدقي قيادة الجيش ونقل إلى الشيحية فعسكر فيها، ولكنه لم ير «التي هي أحسن» في بيت المتنبي أو في عكسه. فلا «الرأي قبل شجاعة الشجعان» ولا «الشجاعة قبل الرأي» استفزته أو هزت منه جارحة للعمل.
أقام صدقي وجنوده في الشيحية لا محاربين ولا مفاوضين، بل أقاموا هناك متفرجين، وقد استأنف ابن سعود وابن الرشيد القتال.
الفصل السابع
كبوات الشيخ مبارك
بعد المفاوضات في السلم وأثنائها سرت إلى أهل القصيم روح الشقاق والفوضى، فكان فريق منهم مع الدولة، وفريق مع ابن سعود، وآخر مع ابن الرشيد، فعاد عبد العزيز إلى الرياض وظاهر أمره أنه نفض يده من هؤلاء الناس المتذبذبين. عاد وهو يقول: إنه تركهم بين عدوين يجاملانهم ويشدان النير على رقابهم.
ولكن الفريق الأكبر أرسل إلى الشيخ مبارك الصباح يسأله أن يتوسط بين ابن سعود وأهل القصيم الذين لا يبغون سيادة غير سيادته. وكان عبد العزيز قد أحس بانقلاب في سياسة الشيخ مبارك، فاغتنم الشيخ هذه الفرصة ليظهر أنه الصديق الذي يرعى العهود، فكتب إلى «أولدي عبد العزيز» يشير بالعود إلى القصيم، وبالعفو عن أهله لأنهم مخلصون له، ولا يبغون في البلاد غير السيادة السعودية.
ولكن رسل الشيخ مبارك كانت يومئذ «تدرهم» إلى عبد العزيز الآخر حاملة كتب التودد والولاء التي أسفرت عن صلح بين الأميرين الصباحي والرشيدي، عقد في آخر سنة 1323 / 1905 أن لهذا الصلح سببين؛ الأول هو أن الدولة العلية كانت ناقمة على الشيخ مبارك، وكان يوسف آل إبراهيم، عدوه الألد ، مستمرا في عدائه. فسعى الشيخ في استرضاء الدولة لتنصره على يوسف، وكان من مساعيه هذه أنه صالح حليفها ابن الرشيد. أما السبب الثاني لهذا الصلح فهو ذاك الشاب الظافر «ولده» عبد العزيز، وكان قد بدأ يخشى امتداد سيادته في نجد ويخشى كذلك نتائجها في الكويت. كيف لا وسيد نجد إذا ما استولى على القصيم واجتاز الحفر لا يقف عند حد دون الخليج. إن عمل الشيخ مبارك إذن هو من باب الدفاع عن النفس.
ناپیژندل شوی مخ