مشوا قبل صلاة المغرب بساعة وهم مع من انضم إليهم ألف وخمسمائة مقاتل.
قال الراوي وهو من أهل الحجاز: «جاء الأمير عبد الله في ذاك اليوم رجل من البادية يقول: تحذر يا شريف، المتدينة في الخرمة هاجمون عليكم، فغضب الأمير وأمر بقطع عنقه.» وفي رواية أخرى أنه أمر دخنا كبير عبيده بضربه، فضربه حتى الموت.
في كلا الحالين نام الأمير تلك الليلة خالي البال مطمئنا، وكان الإخوان قد علموا من رسول ابن سعود كيفية توزيع جيش الأمير، فانقسموا إلى ثلاث فرق قبل أن يصلوا إلى نخيل تربة؛ أي فرقة الخيالة، وفرقة خالد، وفرقة ابن بجاد، وعندما وصلوا البلد في منتصف ليلة (25 شعبان / 25 مايو) هجموا هجمة واحدة ساكتين مستشهدين.
تقدم خالد ورجاله، وفيهم من شردوا من تربة، فدخلوا الباطن وقصدهم الاستيلاء على مخيم الأمير. مشوا وسلاحهم الأبيض يلوح في ظلام شفاف فاصطدموا بالسرية الأولى من الجيش الحجازي وذبحوا رجالها كلهم، وكذلك الثانية، ثم هجموا على السرايا المقيمة عند مخيم الأمير ففتكوا بها فتكا ذريعا.
وهجم ابن بجاد برجاله - وكلهم من أهل الغطغط - على الجنود النظامية وراء المتاريس والأطواب فكانت السيوف تشتغل كالمقاصل، وكان ابن الغطغط يثب على المدفع فيذبح الضابط المقيد وراءه بالحديد، ولكن هول الفوضى والظلام كان أفظع من التذبيح؛ فبطش الجنود بعضهم ببعض وهم يظنون أنهم يبطشون بالإخوان.
أما فرقة الخيل فقد قطعت خط الرجعى خصوصا على حرس الأمير، فلم ينج منهم غير الأمير نفسه وبعض الضباط، ونجاب ابن سعود الثاني. فر الأمير عبد الله قبل أن يصل خالد ورجاله إلى سرايا المخيم، فثبت بعضهم في النضال ليردوا العدو عن تعقبه، وسقط من حاول الفرار صريعا بين سنابك الخيل.
أما الذين نجوا من الذبح تلك الليلة ولم يستطيعوا الفرار فقد التجئوا إلى حصن من حصون البلد، فهجم الإخوان عليهم في اليوم التالي وجعلوا خاتمة المذبحة كأولها، فتراكمت الجثث بعضها فوق بعض، وكان من اللاجئين إلى ذاك الحصن الشريف شاكر فكتب له النجاة، ونجا معه شاب من الأشراف اسمه عون بن هاشم اجتمعت به في جدة، في رحلتي الثالثة إليها، وهو يومذاك في العشرين من سنه. فقد كان عمره يوم شهد تربة خمس عشرة سنة. قال الشريف عون بن هاشم يحدثني عن هول ذاك اليوم: «رأيت الدم في تربة يجري كالنهر بين النخيل، وبقيت سنتين عندما أرى الماء الجارية أظنها والله حمراء. ورأيت القتلى في الحصن متراكمة قبل أن طحت من الشباك. ومن أعجب ما رأيت يا أستاذ، رأيت الإخوان أثناء المعركة يدخلون الجامع ليصلوا ثم يعودون إلى القتال.»
لم ينج من جيش الأمير النظامي غير ستة ضباط واثني عشر جنديا، ولم ينج من البدو غير من سلموا أو انضموا إلى جنود خالد، وأكثرهم من عتيبة، وعددهم لا يتجاوز الألف. فيكون الموت قد تقاضى خمسة آلاف نفس بشرية جزاء جهل الإنسان وغروره، بل خمسة آلاف وخمسمائة؛ لأن الإخوان دفعوا قسما من الضريبة، فقد خسروا أربعمائة من رجال الغطغط ومائة من أهل تربة والخرمة.
قال الأمير عبد الله في كتابه الأول إلى ابن سعود ينبئه بتسليم المدينة: «واستولينا على جميع ما فيها من السلاح الثقيل والخفيف وجميع الأملاك والآلات والأدوات العائدة للحكومة الغابرة.» استولى عليها في ربيع الثاني، ثم خسرها بعد أربعة أشهر فاستولى عليها ابن سعود!
ولكن ابن سعود لم يعلم بذلك إلا بعد الوقعة بخمسة أيام. فقد كان قادما من نجد بجيش عدده اثنا عشر ألف مقاتل، فالتقى وهو في الطريق بين ماء القنصلية والخرمة بالنجاب الشارد فقص عليه الخبر.
ناپیژندل شوی مخ